قال الجمل : آمنت بموسى ـ عليهالسلام ـ لما غلب السحرة ، وتبين لها أنه على الحق. ولم تضرها الوصلة بالكافر ، وهي الزوجية التي هي من أعظم الوصل ولا نفعه إيمانها ، لأن كل امرئ بما كسب رهين ..
وروى الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أنه قال : كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع : مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم وآسية بنت مزاحم ، امرأة فرعون.
قيل : إنها إسرائيلية وأنها عمة موسى. وقيل إنها ابنة عم فرعون .. ومن فضائلها أنها اختارت القتل على الملك ، وعذاب الدنيا على النعيم الذي كانت فيه ـ بعد أن خالط الإيمان قلبها (١).
أى : وجعل الله ـ تعالى ـ حال امرأة فرعون ، مثلا للمؤمنين ، حيث آمنت بالحق بعد أن تبين لها ، دون أن يصرفها عن ذلك أى صارف ، فكان ما فعلته في أسمى درجات الإخلاص وصدق اليقين ..
والظرف في قوله : (إِذْ قالَتْ ...) متعلق بمحذوف ، أو بقوله : (مَثَلاً).
أى : وضرب الله ـ تعالى ـ مثلا للذين آمنوا ، حال امرأة فرعون وقت أن قالت (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) أى : ابن لي بيتا في مستقر رحمتك ، أو في جنتك التي لا يستطيع أحد التصرف فيها إلا بإذنك.
وقوله : (فِي الْجَنَّةِ) بدل أو عطف بيان لقوله ـ تعالى ـ (عِنْدَكَ) وقدم عندك ، للإشعار بأن محبتها للقرب من رحمته ـ تعالى ـ أهم من أى شيء آخر.
(وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) أى : ونجنى من طغيان فرعون ، ومن عمله الذي بلغ النهاية في السوء والقبح ..
(وَنَجِّنِي) ـ أيضا ـ من القوم الظالمين ، وهم أتباع فرعون وحاشيته وملؤه ، وشيعته ..
وفي هذا الدعاء أسمى ألوان الأدب ، فهي تسأل الله ـ تعالى ـ أن يعوضها عن دار فرعون ، دارا في أعلى درجات الجنة ...
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٧١.