بالإفراد ، على أن المراد به جنس الكتب ، أو الإنجيل الذي أنزله ـ سبحانه ـ على ابنها عيسى.
و (مِنْ) في قوله ـ تعالى ـ : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) للابتداء ، أى : وكانت من نسل الرجال القانتين ، الذين بذلوا أقصى جهدهم في طاعة الله ـ تعالى ـ ، وفي إخلاص العبادة له.
ويصح أن تكون (مِنْ) للتبعيض. أى : وكانت من عداد المواظبين على الطاعة ، وجيء بجمع الذكور على سبيل التغليب ، وللإشعار بأن طاعتها لا تقل عن طاعة الرجال ، الذين بلغوا الغاية في المواظبة على طاعة الله ـ تعالى ـ.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد اشتملت على ثلاثة أمثال : مثل للكافرين ، ومثلين للمؤمنين.
وقد تضمن مثل الكفار ، أن الكافر يعاقب على كفره ، دون أن ينفعه ما بينه وبين المؤمنين من قرابة أو نسب .. كما حدث لامرأة نوح وامرأة لوط ..
وأما المثلان اللذان للمؤمنين ، فقد تضمنا أن اتصال المؤمن بالكافر ، لا يضره شيئا إذا فارقه في كفره وعمله ...
وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال : ما ملخصه مثّل الله ـ تعالى ـ حال الكفار ، في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين .. دون أن ينفعهم ما بينهم وبينهم من صلة أو قرابة ـ بحال امرأة نوح وامرأة لوط : فإنهما لما نافقتا وخانتا الرسولين. لم يغن عنهما ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج شيئا ..
ومثل حال المؤمنين ـ في أن وصلة الكافرين لا تضرهم. ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله ـ بحال امرأة فرعون ، فإنها مع كونها زوجة أعدى أعداء الله ، فإنها بسبب إيمانها قد رفع منزلتها عنده ..
وبحال مريم ابنة عمران ، فقد أعطاها الله ما أعطاها من الكرامة .. مع أن قومها كانوا كافرين ...
وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمى المؤمنين المذكورتين في أول السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ...
وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه ، كمثل هاتين المؤمنتين ، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين ..