وخيانة امرأة نوح له ، كانت عن طريق إفشاء أسراره ، وقولها لقومه : إنه مجنون.
وخيانة امرأة لوط له ، كانت عن طريق إرشاد قومه إلى ضيوفه .. مع استمرار هاتين المرأتين على كفرهما ...
قال الإمام ابن كثير : قوله : (فَخانَتاهُما) أى : في الإيمان ، لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدقاهما في الرسالة ..
وليس المراد بقوله : (فَخانَتاهُما) في فاحشة ، بل في الدين ، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة ...
وعن ابن عباس : قال : ما زنتا ، أما امرأة نوح ، فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط ، فكانت تدل على قومها على أضيافه.
وفي رواية عنه قال : كانت خيانتهما أن امرأة نوح ، كانت تفشى سره ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وأما امرأة لوط ، فكانت إذا أضاف لوط أحدا ، أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) بيان لما أصابهما من سوء العاقبة بسبب خيانتهما.
أى : أن نوحا ولوطا ـ عليهماالسلام ـ مع جلالة قدرهما ، لم يستطيعا أن يدفعا شيئا من العذاب عن زوجتيهما الخائنتين لهما ، وإنما قيل لهاتين المرأتين عند موتهما. أو يوم القيامة ، ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الفجرة ..
وقوله (شَيْئاً) منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله : (يُغْنِيا) ، وجاء منكرا للتقليل والتحقير ، أى : فلم يغنيا عنهما شيئا من الإغناء حتى ولو كان قليلا ...
وقوله : (مَعَ الدَّاخِلِينَ) بعد قوله : (ادْخُلَا النَّارَ) لزيادة تبكيتهما ، ولتأكيد مساواتهما في العذاب مع غيرهما من الكافرين الخائنين الذين لا صلة لهما بالأنبياء من حيث القرابة أو ما يشبهها.
ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا للمؤمنين فقال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) وهي آسية ابنة مزاحم ، التي لم يمنعها ظلام الكفر الذي كانت تعيش فيه في بيت فرعون ، ولم يشغلها ما كانت فيه من متاع الحياة الدنيا وزينتها .. عن أن تطلب الحق ، وتعرض عن الباطل ، وأن تكفر بكل ما يدعيه زوجها من كذب وطغيان.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٩٨.