ومحيط بخبايا النفوس وخلجاتها.
ثم وجه ـ سبحانه ـ بعد ذلك خطابه إلى حفصة وعائشة ، فأمرهما بالتوبة عما صدر منهما.
فقال : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).
ولفظ (صَغَتْ) بمعنى مالت وانحرفت عن الواجب عليهما. يقال صغا فلان يصغو ويصغى صغوا ، إذا مال نحو شيء معين. ويقال : صغت : الشمس ، إذا مالت نحو الغروب ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ).
وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن تتوبا إلى الله ، فلتوبتكما موجب أو سبب ، فقد مالت قلوبكما عن الحق ، وانحرفت عما يجب عليكما نحو الرسول صلىاللهعليهوسلم من كتمان لسره ، ومن حرص على راحته ، ومن احترام لكل تصرف من تصرفاته .. وجاء الخطاب لهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة في المعاتبة ، فإن المبالغ في ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة.
وقال ـ سبحانه ـ (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) بصيغة الجمع للقلوب ، ولم يقل قلبا كما بالتثنية ، لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع ظهور المراد ، وأمن اللبس.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما هو أشد في التحذير والتأديب فقال : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).
وقوله (تَظاهَرا) أصله تتظاهرا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. والمراد بالتظاهر : التعاون والتآزر ، يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه على ما يريده ، وأصله من الظهر ، لأن من يعين غيره فكأنه يشد ظهره ، ويقوى أمره.
قال ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ، وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً ، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) (١).
وجواب الشرط ـ أيضا ـ محذوف ـ أى : وإن تتعاونا عليه بما يزعجه ، ويغضبه ، من الإفراط في الغيرة ، وإفشاء سره. فلا يعدم ناصرا ولا معينا بل سيجد الناصر الذي ينصره عليكما ، فإن الله ـ تعالى ـ (هُوَ مَوْلاهُ) أى : ناصره ومعينه (وَجِبْرِيلُ) كذلك ناصره ومعينه عليكما.
(وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أى : وكذلك الصالحون من المؤمنين من أنصاره وأعوانه.
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٣.