فالمراد بالإظهار : الاطلاع ، وهو مشتق من الظهور بمعنى التغلب.
وعبر بالإظهار عن الاطلاع ، لأن حفصة وعائشة كانتا حريصتين على عدم معرفة ما دار بينهما في هذا الشأن ، فلما أطلع الله ـ تعالى ـ نبيه على ذلك كانتا بمنزلة من غلبتا على أمرهما.
وقوله ـ سبحانه ـ : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) بيان للمسلك السامي الذي سلكه صلىاللهعليهوسلم في معاتبته لحفصة على إفشائها لما أمرها أن تكتمه والمفعول الأول لعرف محذوف أى : عرفها بعضه.
أى : فحين خاطب صلىاللهعليهوسلم حفصة في شأن الحديث الذي أفشته ، اكتفى بالإشارة إلى جانب منه ، ولم يذكر لها تفاصيل ما قاله لها سابقا. لسمو أخلاقه صلىاللهعليهوسلم إذ في ذكر التفاصيل مزيد من الخجل والإحراج لها.
قال بعضهم : ما زال التغافل من فعل الكرام وما استقصى كريم قط وقال الشاعر :
ليس الغبي بسيد في قومه |
|
لكن سيد قومه المتغابى |
وإنما عرفها صلىاللهعليهوسلم ببعض الحديث ، ليوقفها على خطئها وعلى أنه كان من الواجب عليها أن تحفظ سره صلىاللهعليهوسلم.
قالوا : ولعل حفصة رضى الله عنها ـ قد فعلت ذلك ، ظنا منها أنه لا حرج في إخبار عائشة بذلك ، أو أنها اجتهدت فأخطأت ، ثم تابت وندمت على خطئها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالته حفصة للرسول صلىاللهعليهوسلم وما رد به عليها فقال : (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).
أى : فلما سمعت من الرسول صلىاللهعليهوسلم ما يدل على أنه قد اطلع على ما قالته لعائشة ، قالت له : من أخبرك بما دار بيني وبينها؟ فأجابها صلىاللهعليهوسلم بقوله : أخبرنى بذلك الله ـ تعالى ـ العليم بجميع أحوال عباده وتصرفاتهم .. الخبير بما تكنه الصدور ، وبما يدور في النفوس من هواجس وخواطر.
وإنما قالت له صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) لتتأكد من أن عائشة لم تخبره صلىاللهعليهوسلم بما دار بينهما في هذا الشأن ... فلما قال لها صلىاللهعليهوسلم : (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) تحقق ظنها في كتمان عائشة لما قالته لها ، وتيقنت أن الذي أخبره بذلك هو الله ـ عزوجل ـ.
وفي تذييل الآية الكريمة بقوله : (الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) إشارة حكيمة وتنبيه بليغ ، إلى أن من الواجب على كل عاقل ، أن يكون ملتزما لكتمان الأسرار التي يؤتمن عليها ، وأن إذاعتها ـ ولو في أضيق الحدود ـ لا تخفى على الله ـ عزوجل ـ لأنه ـ سبحانه ـ عليم بكل معلوم ،