(وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) أى : والملائكة بعد نصر الله ـ تعالى ـ له ، وبعد نصر جبريل وصالح المؤمنين له ، مؤيدونه ومناصرونه وواقفون في صفه ضدكما.
وفي هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول صلىاللهعليهوسلم وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم ومن غيرته ـ عزوجل ـ عليه ، ومن دفاعه عنه صلىاللهعليهوسلم.
وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول صلىاللهعليهوسلم فإنه لا يكون من صالح المؤمنين.
وقوله : (وَجِبْرِيلُ) مبتدأ ، وقوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ) معطوف عليه.
وقوله : (بَعْدَ ذلِكَ) متعلق بقوله (ظَهِيرٌ) الذي هو خبر عن الجميع.
وقد جاء بلفظ المفرد ، لأن صيغة فعيل يستوي فيها الواحد وغيره. فكأنه ـ تعالى ـ قال : والجميع بعد ذلك مظاهرون له ، واختير الإفراد للإشعار بأنهم جميعا كالشىء الواحد في تأييده ونصرته ، وبأنهم يد واحدة على من يعاديه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : (بَعْدَ ذلِكَ) تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله ـ تعالى ـ أعظم وأعظم؟
قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته ـ تعالى ـ بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته ، لفضلهم ...» (١).
وخص جبريل بالذكر مع أنه من الملائكة ، للتنويه بمزيد فضله ، فهو أمين الوحى ، والمبلغ عن الله ـ تعالى ـ إلى رسله.
هذا ، ومما يدل على أن الخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) ، لحفصة وعائشة ، ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم اللتين قال الله ـ تعالى ـ فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).
فلما كان ببعض الطريق ... قلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم اللتان قال الله تعالى ـ فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).
فقال عمر : وا عجبا لك يا ابن عباس .. هما حفصة وعائشة (٢).
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٦٧.
(٢) راجع الحديث بتمامه في تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨٨ فهو حديث ممتع وطويل.