ثم كرر ـ سبحانه ـ الأمر بتقواه ، وبشر المتقين بالخير العميم فقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ـ تعالى ـ فينفذ ما كلف به. ويبتعد عما نهى عنه.
(يَجْعَلْ لَهُ) سبحانه (مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) أى : يجعل له من الأمر العسير أمرا ميسورا. ويحول له الأمر الصعب إلى أمر سهل ، لأنه ـ سبحانه ـ له الخلق والأمر ..
(ذلِكَ) الذي ذكرناه لكم من أحكام (أَمْرُ اللهِ) أى : حكمه وشرعه (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) لتعلموا به ، وتسيروا على هديه.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ـ تعالى ـ في كل شئونه وأحواله .. (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) أى : يمح عنه ذنوبه ، ولا يؤاخذه عليها ، (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) أى : ويضاعف له حسناته ، ويجزل له العطاء والمثوبة يوم القيامة.
ثم أمر ـ سبحانه ـ الرجال بأن يحسنوا معاملة النساء المطلقات ، ونهاهم عن الإساءة إليهن بأى لون من ألوان الإساءة فقال : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ...) والخطاب للرجال الذين يريدون فراق أزواجهن ، والضمير المنصوب في قوله (أَسْكِنُوهُنَ) يعود إلى النساء المطلقات.
و (مِنْ) للتبعيض ، والوجد : السعة والقدرة.
أى : أسكنوا المطلقات في بعض البيوت التي تسكنونها والتي في وسعكم وطاقتكم إسكانهن فيها.
قال صاحب الكشاف : قوله : (أَسْكِنُوهُنَ) وما بعده : بيان لما شرط من التقوى في قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ...) كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل : (أَسْكِنُوهُنَ).
فإن قلت : فقوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) ما موقعه؟ قلت : هو عطف بيان لقوله (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ، وتفسير له ، كأنه قيل : أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه.
والسكنى والنفقة : واجبتان لكل مطلقة. وعند مالك والشافعى : ليس للمبتونة إلا السكن ولا نفقة لها ، وعن الحسن وحماد : لا نفقة لها ولا سكنى ، لحديث فاطمة بنت قيس : أن زوجها أبتّ طلاقها ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا سكنى لك ولا نفقة ...» (١).
ثم أتبع ـ سبحانه ـ الأمر بالإحسان إلى المطلقات ، بالنهى عن إلحاق الأذى بهن فقال : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ...).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٥٨.