ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان عدة المرأة ذات الحمل ، فقال ـ تعالى ـ : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...).
وقوله : (وَأُولاتُ) : اسم جمع للفظ ذات. بمعنى صاحبه ، لأنه لا مفرد لكلمة (أُولاتُ) من لفظها ، كما أنه لا مفرد من لفظها لكلمة «أولو» التي هي بمعنى أصحاب ، وإنما مفردها «ذو».
والأحمال : جمع حمل ـ بفتح الحاء ـ كصحب وأصحاب ، والمراد به : الجنين الذي يكون في بطن المرأة.
والأجل : انتهاء المدة المقدرة للشيء.
وقوله : (وَأُولاتُ ...) مبتدأ ، و (أَجَلُهُنَ) مبتدأ ثان ، وقوله : (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) خبر المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره ، خبر الأول.
والمعنى : والنساء ذوات الأحمال (أَجَلُهُنَ) أى : نهاية عدتهن ، أن يضعن ما في بطونهن من حمل ، فمتى وضعت المرأة ما في بطنها ، فقد انقضت عدتها ، لأنه ليس هناك ما هو أدل على براءة الرحم ، من وضع الحمل.
وهذا الحكم عام في كل ذوات الأحمال ، سواء أكن مطلقات ، أم كن قد توفى عنهن أزواجهن.
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث التي تؤيد ذلك ، ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان ، من أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة ، فخطبت فأنكحها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأحد أصحابه.
وعن أبى بن كعب قال : قلت للنبي صلىاللهعليهوسلم : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) : للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها زوجها ، فقال : هي للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها .. (١).
قالوا : ولا تعارض بين هذه الآية ، وبين قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ...) لأن آية سورة البقرة ، خاصة بالنساء اللائي توفى عنهن أزوجهن ولم يكن هؤلاء النساء من ذوات الأحمال.
وفي هذه المسألة أقوال أخرى مبسوطة في مظانها ... (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٧٦.
(٢) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ١٦٦ ، وتفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٣٧.