أى : ولا تستعملوا معهن ما يؤذيهن ويضرهن ، لكي تضيقوا عليهن ما منحه الله ـ تعالى ـ لهن من حقوق ، بأن تطيلوا عليهن مدة العدة ، فتصبح الواحدة منهن كالمعلقة ، أو بأن تضيقوا عليهن في السكنى ، حتى يلجأن إلى الخروج ، والتنازل عن حقوقهن.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ..) أى : وإن كان المطلقات أصحاب حمل ـ فعليكم يا معشر الأزواج ـ أن تقدموا لهن النفقة المناسبة ، حتى يضعن حملهن.
قال الإمام ابن كثير : قال كثير من العلماء منهم ابن عباس ، وطائفة من السلف. هذه هي البائن ، إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها ، قالوا : بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء أكانت حاملا أم غير حامل.
وقال آخرون : بل السياق كله في الرجعيات ، وإنما نص على الإنفاق على الحامل ـ وإن كانت رجعية ـ لأن الحمل تطول مدته غالبا. فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع ، لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة .. (١).
ولما كان الحمل ينتهى بالوضع ، انتقلت السورة الكريمة إلى بيان ما يجب للمطلقات بعد الوضع ، فقال ـ تعالى ـ : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).
أى : عليكم ـ أيها المؤمنون ـ أن تقدموا لنسائكم ذوات الحمل اللائي طلقتموهن طلاقا بائنا ، عليكم أن تقدموا لهن النفقة حتى يضعن حملهن ، فإذا ما وضعن حملهن وأرادوا أن يرضعن لكم أولادكم منهن ، فعليكم ـ أيضا ـ أن تعطوهن أجورهن على هذا الإرضاع ، وأن تلتزموا بذلك لهن.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية أن الأم المطلقة طلاقا بائنا ، إذا أرادت أن ترضع ولدها بأجر المثل ، فليس لأحد أن يمنعها من ذلك ، لأنها أحق به من غيرها ، لشدة شفقتها عليه ... وليس للأب أن يسترضع غيرها حينئذ. كما أخذوا منها ـ أيضا ـ أن نفقة الولد الصغير على أبيه ، لأنه إذا لزمته أجرة الرضاع ، فبقية النفقات الخاصة بالصغير تقاس على ذلك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) حض منه ـ سبحانه ـ للآباء والأمهات على التعاون والتناصح في وجوه الخير والبر.
والائتمار معناه : التشاور وتبادل الرأى ، وسمى التشاور بذلك لأن المتشاورين في مسألة ، يأمر أحدهما الآخر بشيء فيستجيب لأمره ، ويقال : أئتمر القوم وتآمروا بمعنى واحد.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٧٩.