اتصفوا بما في حيز الصلة .. (١).
والذي تطمئن إليه النفس أن هاتين الآيتين ، ترسمان للمسلمين المنهج الذي يجب أن يسيروا عليه مع غيرهم ، وهو أن من لم يقاتلنا من الكفار ، ولم يعمل أو يساعد على إلحاق الأذى والضرر بنا ، فلا يأس من بره وصلته.
ومن قاتلنا ، وحاول إيذاءنا منهم. فعلينا أن نقطع صلتنا به ، وأن نتخذ كافة الوسائل لردعه وتأديبه ، حتى لا يتجاوز حدوده معنا.
والمعنى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) ـ تعالى ـ أيها المؤمنون ـ (عَنِ) مودة وصلة الكافرين (الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ، فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أى : لم يقاتلوكم من أجل أنكم مسلمون ، ولم يحاولوا إلحاق أى أذى بكم ، كالعمل على إخراجكم من دياركم.
لا ينهاكم الله ـ تعالى ـ عن (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أى : عن أن تحسنوا معاملتهم وتكرموهم. وعن أن (تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أى تقضوا إليهم بالعدل ، وتعاملوهم بمثل معاملتهم لكم ، ولا تجوروا عليهم في حكم من الأحكام.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أى العادلين في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم ، الذين ينصفون الناس ، ويعطونهم العدل من أنفسهم ، ويحسنون إلى من أحسن إليهم.
(إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ) ـ تعالى ـ (عَنِ) بر وصلة (الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) أى قاتلوكم لأجل أنكم على غير دينهم (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) التي تسكنونها (وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ).
أى : وعاونوا غيرهم على إخراجكم من دياركم ، يقال : ظاهر فلان فلانا على كذا ، إذا عاونه في الوصول إلى مطلبه.
وقوله : (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدل اشتمال (عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ) أى : ينهاكم ـ سبحانه ـ عن موالاة ، ومواصلة ، وبر الذين قاتلوكم في الدين ، وأخرجوكم من دياركم.
(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) أى : ومن يبر منكم ـ أيها المؤمنون ـ هؤلاء الذين قاتلوكم (فَأُولئِكَ) الذين يفعلون ذلك (هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم ظلما شديدا يستحقون بسببه العقاب الذي لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه ـ.
فأنت ترى أن الآية الأولى قد رخصت لنا في البر والصلة ـ قولا وفعلا ـ للكفار الذين لم يقاتلونا لأجل ديننا ، ولم يحاولوا الإساءة إلينا ، بينما الآية الثانية قد نهتنا عن البر أو الصلة
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٧٤.