لأولئك الكافرين ، الذين قاتلونا من أجل مخالفتنا لهم في العقيدة ، وحاولوا إخراجنا من ديارنا أو أخرجوا بعضنا بالفعل ـ وعاونوا غيرهم على إنزال الأذى بنا.
هذا ، ويرى بعض العلماء أن الآية الأولى منسوخة.
قال القرطبي : قال ابن زيد : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة ، وترك الأمر بالقتال ، ثم نسخ هذا الحكم.
قال قتادة : نسخها قوله ـ تعالى ـ (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١).
والذي عليه المحققون من العلماء ، أن الآية محكمة وليست منسوخة ، لأنها تقرر حكما يتفق مع شريعة الإسلام في كل زمان ومكان ، وهو أننا لا نؤذى إلا من آذانا ، ولا نقاتل إلا من أظهر العداوة لنا بأية صورة من الصور.
وأقوال النبي صلىاللهعليهوسلم وأفعاله تؤيد عدم النسخ ، فقد كان صلىاللهعليهوسلم يستقبل الوفود التي تأتيه لمناقشتها في بعض الأمور الدينية ، مقابلة كريمة ، ويتجلى ذلك فيما فعله مع وفد نجران ، ووفد تميم وغيرهما.
كذلك مما يؤيد عدم النسخ ، أنه لا تعارض بين هذه الآية ، وبين آية السيف ، لأن الأمر بالقتال إنما هو بالنسبة لقوم يستحقونه ، بأن يكونوا قد قاتلونا أو أخرجونا من ديارنا ، كما جاء في الآية الثانية.
وأما الرخصة في البر والصلة ، فهي في شأن الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ، وهذا ما صرحت به الآية الأولى.
ورحم الله الإمام ابن جرير فقد قال بعد أن ذكر الآراء في ذلك : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بقوله ـ تعالى ـ : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ..) جميع أصناف الملل والأديان ، أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم .. ويشمل ذلك من كانت تلك صفته ، دون تخصيص لبعض دون بعض.
ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن من أهل الحرب ، ممن بينه وبينه قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه ولا نسب ، غير محرم ، ولا منهى عنه ، إذا لم يكن في ذلك ، دلالة له أو لأهل الحرب ، على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح (٢).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٥٩.
(٢) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٨ ص ٤٣.