والتقوا هم وأقاربهم الذين سبقوهم إلى الإسلام ، على طاعة الله ومحبته ، والدفاع عن دينه ، وبذل أنفسهم وأموالهم في سبيله.
(وَاللهُ قَدِيرٌ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى : والله ـ تعالى ـ شديد القدرة على أن يغير أحوال القلوب ، فيصبح المشركون مؤمنين ، والأعداء أصدقاء ، والله ـ تعالى ـ واسع المغفرة والرحمة ، لمن استجاب لأمره ونهيه ، وأقلع عن المعصية إلى الطاعة ، ونبذ الكفر وتحول إلى الإيمان.
فالآية الكريمة بشارة عظيمة للمؤمنين ، بأنه ـ سبحانه ـ كفيل بأن يجمع شملهم بكثير من أقاربهم الكافرين ، وبأن يحول العداء الذي بينهم ، إلى مودة ومحبة ، بسبب التقاء الجميع على طاعة الله ـ تعالى ـ وإخلاص العبادة له.
وقد تم ذلك بصورة موسعة ، بعد أن فتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
ثم بين ـ سبحانه ـ للمؤمنين القاعدة التي يسيرون عليها في مودتهم وعداوتهم وصلتهم ومقاطعتهم. فقال ـ تعالى ـ : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ، أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها روايات منها ، ما أخرجه البخاري وغيره عن أسماء بنت أبى بكر الصديق قالت : أتتنى أمى راغبة ـ أى : في عطائي ـ وهي مشركة في عهد قريش ... فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أأصلها؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم صلى أمك».
وروى الإمام أحمد وجماعة عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزى ـ وهي مشركة ـ على ابنتها أسماء بنت أبى بكر بهدايا ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، أو تدخلها بيتها ، حتى أرسلت إلى عائشة ، لكي تسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذا ، فسألته ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ).
وقال الحسن وأبو صالح : نزلت هذه الآية في قبائل من العرب كانوا قد صالحوا النبي صلىاللهعليهوسلم على أن لا يقاتلوه ، ولا يعينوا عليه.
وقال مجاهد : نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا ، فكان المهاجرون والأنصار يتحرجون من برهم ، لتركهم فرض الهجرة.
قال الآلوسى ـ بعد أن ذكر هذه الروايات وغيرهما ـ : والأكثرون على أنها في كفرة