أى : يا ربنا عليك وحدك فوضنا أمورنا ، وإليك وحدك قبول توبتنا ، وإليك لا إلى أحد سواك مرجعنا ومصيرنا.
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) والفتنة هنا مصدر بمعنى المفتون ، أى : المعذب ، مأخوذ من فتن فلان الفضة إذا أذابها.
أى : يا ربنا لا تجعلنا مفتونين معذبين لهؤلاء الكافرين ، بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نستطيع صده ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...) أى : عذبوهم وحاولوا إنزال الضرر والأذى بهم.
ويصح أن يكون المعنى : يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ، بأن تعذبنا بأيديهم ، فيظنوا بسبب ذلك أنهم على الحق ، ونحن على الباطل ، ويزعموا أننا لو كنا على الحق ما انتصروا علينا.
ولبعض العلماء رأى آخر في فهم هذه الآية ، وهو أن المراد بالفتنة هنا : اضطراب حال المسلمين وفساده. وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم في وجوه الخير ... فيكون المعنى : يا ربنا لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة. فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا ، بحجة أنه لو كان دينا سليما ، لظهر أثر ذلك على أتباعه ، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخر.
قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا). الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، وهي اسم مصدر ، فتجيء بمعنى المصدر ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ).
وتجيء وصفا للمفتون والفاتن.
ومعنى جعلهم فتنة للذين كفروا : جعلهم مفتونين يفتنهم الذين كفروا ، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون.
ويصدق ـ أيضا ـ بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا. أى : بسبب محبتهم والتقرب منهم.
وعلى الوجهين ، فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول .. واللام في «للذين كفروا» على الوجهين ـ أيضا ـ للملك ، أى : مفتونين مسخرين لهم.
ويجوز عندي أن تكون «فتنة» مصدرا بمعنى اسم الفاعل ، أى : لا تجعلنا فاتنين ، أى : سبب فتنة للذين كفروا ، فيكون كناية عن معنى : لا تغلب الذين كفروا علينا ، واصرف عنا