انقلبت العداوة موالاة ، والبغضاء مودة ، والمقت محبة ـ فأفصحوا عن محض الإخلاص .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) كلام معترض بين الأقوال التي حكاها ـ سبحانه ـ عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
والاستثناء يترجح أنه منقطع ، لأن هذا القول من إبراهيم لأبيه ، ليس من جنس الكلام السابق ، الذي تبرأ فيه هو ومن معه مما عليه أقوامهم الكافرون.
والمعنى : اقتدوا ـ أيها المؤمنون ـ بأبيكم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وبالذين آمنوا معه ، في براءتهم من الشرك والمشركين .. ولكن لا تقتدوا به في استغفاره لأبيه الكافر ، لأن استغفاره له كان عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.
قال الإمام الشوكانى ما ملخصه : قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) هو استثناء متصل من قوله : (فِي إِبْراهِيمَ) بتقدير مضاف .. أى : قد كانت لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم ، إلا في قوله لأبيه : لأستغفرن لك.
ويصح أن يكون استثناء متصلا من قوله : (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وصح ذلك لأن القول من جملة الأسوة ، فكأنه قيل : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم في جميع أقواله وأفعاله ، إلا في قوله لأبيه لأستغفرن لك.
أو هو استثناء منقطع ، أى : اقتدوا بإبراهيم في كل أقواله وأحواله ، لكن لا تقتدوا به في قوله لأبيه المشرك : لأستغفرن لك ، بأن تستغفروا لآبائكم المشركين ، لأن استغفار إبراهيم لأبيه المشرك كان عن موعدة وعدها إياه ، أو أنه ظن أن أباه قد أسلم .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) حكاية لبقية كلام إبراهيم لأبيه ، وليس الاستثناء متوجها إليه ، لأن هذه الجملة بيان لما تحلى به إبراهيم ـ عليهالسلام ـ من آداب مع ربه ـ تعالى ـ حيث فوض الأمر إليه ـ سبحانه ـ.
أى : وعد إبراهيم أباه بالاستغفار له ، أملا في هدايته ، وقال له : يا أبت إنى لا أملك لك من أمر قبول الاستغفار شيئا ، بل الأمر كله لله ، إن شاء عذبك وإن شاء عفا عنك ، والجملة الكريمة في محل نصب على الحال من فاعل (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أى : لأستغفرن لك حالة كوني لا أملك من أمر المغفرة أو غيرها شيئا ، وإنما الذي يملك ذلك هو الله ـ عزوجل ـ.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا مما تضرع به إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلى خالقه فقال : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥١٤.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٢١٢.