ما يكون من اختلال أمرنا ، وسوء الأحوال ، كي لا يكون شيء من ذلك فاتنا للذين كفروا .. أى : يزيدهم كفرا ، لأنهم يظنون أنا على الباطل وأنهم على الحق (١).
وقوله : (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أى : واغفر لنا يا ربنا ذنوبنا ، إنك أنت الغالب الذي لا يغالب ، الحكيم في كل أقواله وأفعاله.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) تأكيد لقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) والغرض من هذا التأكيد ، تحريض المؤمنين على التأسى بالسابقين في قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
أى : لقد كان لكم ـ أيها المؤمنون ـ أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ، في أبيكم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وفيمن آمن به ، وهذه القدوة إنما ينتفع بها من كان يرجو لقاء الله ـ تعالى ـ ورضاه ، ومن كان يرجو ثوابه وجزاءه الطيب.
وجيء بلام القسم في قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ ..) على سبيل المبالغة في التأكيد بوجوب التأسى بإبراهيم ، وبمن آمن معه.
وجملة (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بدل من قوله (لَكُمْ) بدل اشتمال.
وفائدة هذا البدل : الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر ، لا يترك الاقتداء بإبراهيم ـ عليهالسلام ـ وبمن آمن معه ، وأن ترك ذلك من علامات عدم الإيمان الحق.
كما ينبئ عنه التحذير في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
أى : ومن يعرض عن هذا التأسى ، فوبال إعراضه عليه وحده ، فإن الله ـ تعالى ـ هو الغنى عن جميع خلقه ، الحميد لمن يمتثل أمره.
والمتدبر في هذه الآيات الكريمة ، من أول السورة إلى هنا ، يجد أن الله ـ تعالى ـ لم يترك وسيلة للتنفير من موالاة أعدائه ، إلا أظهرها وكشف عنها.
ثم فتح ـ سبحانه ـ لعباده باب رحمته وفضله ، فبشرهم بأنه قد يهدى إلى الإسلام قوما من الأعداء الذين تربط بينهم وبين المؤمنين رابطة الدم والقرابة وحدد لهم القواعد التي عليها يبنون مودتهم وعداوتهم لغيرهم ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير التحرير والتنوير ج ٢٨ ص ١٣٩ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور.