وعطف ـ سبحانه ـ على إبراهيم الذين آمنوا معه ، ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم صلىاللهعليهوسلم أى : كونوا ـ أيها المؤمنون ـ متأسين ومقتدين برسولكم صلىاللهعليهوسلم ومطيعين له ، ومستجيبين لتوجيهاته ، كما كان أتباع أبيكم إبراهيم كذلك.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يجب عليهم الاقتداء به من حال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والمؤمنين معه ، فقال : (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ ، وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، كَفَرْنا بِكُمْ ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) و (إِذْ) ظرف زمان بمعنى وقت وحين ، وهو بدل اشتمال من إبراهيم والذين معه. أو خبر لكان.
و (بُرَآؤُا) جمع برىء. يقال : برئ فلان من كذا يبرأ براء وبراءة. إذا ابتعد عنه ، لكراهته له.
أى : قد كان لكم ـ أيها المؤمنون ـ أسوة حسنة في إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وفي الذين آمنوا معه ، وقت أن قالوا لقومهم الكافرين ، بشجاعة وقوة : إنا برآء منكم ، ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله ـ عزوجل ـ وإننا قد كفرنا بكم وبمعبوداتكم (وَبَدا) أى : وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغض على سبيل التأييد والاستمرار ، ولن نتخلى عن ذلك معكم ، حتى تؤمنوا بالله ـ تعالى ـ وحده ، وتتركوا عبادتكم لغيره ـ تعالى ـ.
فأنت ترى أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والمؤمنين معه ، قد أعلنوا بكل شجاعة وشدة ، إيمانهم الكامل بالحق ، وبراءتهم وكراهيتهم واحتقارهم ، لكل من أشرك مع الله ـ تعالى ـ في العبادة آلهة أخرى.
وأنهم لم يكتفوا بالتغيير القلبي للمنكر ، بل جاهروا بعداوتهم له ، وبالتنزه عن اقترابهم منه. وبتجافيهم عنه ... ولعل هذا هو أقصى ما كانوا يملكونه بالنسبة لتغيير هذا المنكر في ذلك الوقت.
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لم يكتف بذلك ، بل حطم الأصنام التي كان يعبدها قومه وقال لهم : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
قال صاحب الكشاف : أى : كان فيهم ـ أى : في إبراهيم ومن آمن معه ـ مذهب حسن مرضى ، جدير بأن يؤتسى به ، ويتبع أثره ، وهو قولهم لكفار قومهم ما قالوا ، حيث كاشفوهم بالعداوة ، وقشروا لهم العصا ، وأظهروا لهم البغضاء والمقت ، وصرحوا بأن سبب عداوتهم وبغضائهم ، ليس إلا كفرهم بالله.
وما دام هذا السبب قائما ، كانت العداوة قائمة ، حتى إن أزالوه وآمنوا بالله وحده ،