وكرر ـ سبحانه ـ لفظ «الميزان» للتنبيه على شدة عناية الله ـ تعالى ـ بإقامة العدل بين الناس في معاملاتهم ، وفي سائر شئونهم ، إذ بدونه لا يستقيم لهم حال ، ولا يصلح لهم بال ، ولا يستقر لهم قرار ...
ثم انتقلت السورة الكريمة ، إلى بيان جانب من مظاهر نعمه الأرضية ، فقال ـ تعالى ـ : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ).
والمراد بالأنام : الخلائق المختلفون في ألوانهم وأشكالهم وألسنتهم ، والذين يعيشون في شتى أقطارها وفجاجها ... وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه.
أى : والأرض «وضعها» أى : أوجدها موضوعة على هذا النظام البديع ، من أجل منفعة الناس جميعا ، لأن إيجادها على تلك الصورة الممهدة المفروشة .. جعلهم ينتفعون بما فيها من كنوز وخيرات ، ويتقلبون عليها من مكان إلى آخر .. وصدق الله إذ يقول : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ..).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ. وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) ، بيان لبعض ما اشتملت عليه هذه الأرض من خيرات.
والفاكهة : اسم لما يأكله الإنسان من ثمار على سبيل التفكه والتلذذ ، لا على سبيل القوت الدائم ، مأخوذة من قولهم فكه فلان ـ كفرح ـ إذا تلذذت نفسه بالشيء .. والأكمام : جمع كمّ ـ بكسر الكاف ـ ، وهو الطلع قبل أن تخرج منه الثمار.
وقوله : (ذُو الْعَصْفِ) أى : ذو القشر الذي يكون على الحب ، وسمى بذلك لأن الرياح تعصف به. أى : تطيره لخفته ، أو المراد به الورق بعد أن ييبس ومنه قوله ـ تعالى ـ : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).
والريحان : هو النبات ذو الرائحة الطيبة ، وقيل هو الرزق.
أى : في هذه الأرض التي تعيشون عليها أوجد الله ـ تعالى ـ الفاكهة التي تتلذذون بأكلها ، وأوجد لكم النخيل ذات الأوعية التي يكون فيها الثمر ..
وأوجد لكم الحب ، الذي تحيط به قشوره ، كما ترون ذلك بأعينكم ، في سنابل القمح والشعير وغيرهما.
وأوجد لكم النبات الذي يمتاز بالرائحة الطيبة التي تبهج النفوس وتشرح الصدور ، فأنت ترى أنه ـ تعالى ـ قد ذكر في هذه الآيات ألوانا من النعم ، فقد أوجد في الأرض الفاكهة للتلذذ ، وأوجد الحب للغذاء ، وأوجد النباتات ذات الرائحة الطيبة.