قال القرطبي ما ملخصه : وقراءة العامة (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) بالرفع فيها كلها ، عطفا على «فاكهة» أى : فيها فاكهة وفيها الحب ذو العصف ، وفيها الريحان ..
وقرأ ابن عامر بالنصب فيها كلها عطفا على الأرض ، أو بإضمار فعل ، أى : وخلق الحبّ ذا العصف والريحان. أى : وخلق الريحان.
وقرأ حمزة والكسائي بجر (الرَّيْحانُ) عطفا على العصف. أى : فيها الحب ذو العصف والريحان ، ولا يمتنع ذلك على قول من جعل الريحان بمعنى الرزق ، فيكون كأنه قال : والحب ذو الرزق ، لأن العصف رزق للبهائم ، والريحان رزق للناس .. (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه النعم بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
والفاء للتفريع على النعم المتعددة التي سبق ذكرها ، والاستفهام للتعجيب ممن يكذب بهذه النعم ، والآلاء : جمع إلى ـ بكسر الهمزة وفتحها وسكون اللام ـ وهي النعمة ، والخطاب للمكلفين من الجن والإنس ، وقيل لأفراد الإنس مؤمنهم وكافرهم ، أى : فبأى واحدة من هذه النعم تكذبان ربكما ، أى : تجحدان فضله ومننه ـ يا معشر الجن والإنس ـ مع أن كل نعمة من هذه النعم تستحق منكم الطاعة لي ، والخضوع لعزتى والإخلاص في عبادتي.
قال الجمل ما ملخصه : كررت هذه الآية هنا إحدى وثلاثين مرة تقريرا للنعمة ، وتأكيدا للتذكير بها ، وذلك كقول الرجل لمن أحسن إليه ، وهو ينكر هذا الإحسان : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانا فكسوتك ، أفتنكر هذا ...؟
ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ عدد على عباده نعمه ، ثم خاطبهم بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
وقد كرر ـ سبحانه ـ هذه الآية ثماني مرات ، عقب آيات فيها تعداد عجائب خلقه ، ومبدأ هذا الخلق ونهايته ، ثم كررها سبع مرات عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنم .. ثم كررها ـ أيضا ـ ثماني مرات في وصف الجنتين وأهلهما ، بعدد أبواب الجنة ، وكررها كذلك ثماني مرات في الجنتين اللتين هما دون الجنتين السابقتين ، فمن اعتقد الثمانية الأولى ، وعمل بموجبها ، استحق هاتين الثمانيتين من الله ـ تعالى ـ ، ووقاه السبعة السابقة بفضله وكرمه .. (٢).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٥٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٥٤.