فالمقصود بقوله (رَفَعَها) لفت الأنظار إلى مظاهر قدرته ـ تعالى ـ ، وإلى وجوب شكره وإخلاص العبادة له ، والتزام طاعته ..
والميزان : يطلق على الآلة التي يزن الناس بها ما يريدون وزنه من الأشياء المختلفة.
والمراد به هنا : وجوب التزام العدل في الأحكام ، وشاع إطلاق الميزان على العدل في الأحكام ، لأن كليهما تضبط به الأحكام ، وتنال الحقوق. أى : والسماء خلقها مرفوعة ابتداء ، وشرع وأثبت العدل وأمر باتباعه في الأقوال والأحكام ، ليستقيم أمر الناس.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أى : شرع العدل وأمر به ، لينتظم أمر العالم ويستقيم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «بالعدل قامت السموات والأرض» أى : بقيتا على أتقن نظام .. وتفسير الميزان بالعدل ، هو المروي عن مجاهد ، والطبري ، والأكثرين ، وهو مستعار للعدل استعارة تصريحية.
وعن ابن عباس والحسن وقتادة ، أن المراد بالميزان ما تعرف به مقادير الأشياء ، وهو الآلة المسماة بهذا الاسم .. أى : أوجده في الأرض ليضبط الناس معاملاتهم في أخذهم وعطائهم .. (١).
وجملة : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) بمنزلة التعليل لما قبلها. أى : شرع العدل بين الناس ، وأوجب عليهم التمسك به في كل شئونهم ، لئلا يتجاوزوه إلى غيره من الجور والظلم. والطغيان : هو تجاوز الحدود المشروعة في كل شيء.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى وهو التزام العدل تأكيدا صريحا فقال : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ، وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ).
وقوله : (وَأَقِيمُوا) من الإقامة ، والمراد به الإتيان بالشيء على أكمل صورة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ...) أى : أدوها كاملة الأركان والسنن والخشوع.
والقسط : العدل ، يقال : أقسط فلان في حكمه ، إذا عدل ، والباء للمصاحبة.
وقوله : (وَلا تُخْسِرُوا) من الإخسار بمعنى النقص والبخس والجور.
والمعنى : شرع الله العدل ، ونهاكم عن تجاوزه ، وأمركم أن تقيموا حياتكم عليه في أوزانكم التي تتعاملون بها فيما بينكم ، وفي كل أحوالكم ، فاحذروا أن تخالفوا أمره ...
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٠١.