وقوله ـ تعالى ـ : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) بيان لنعمة رابعة من نعمه ـ تعالى ـ التي لا تحصى.
والحسبان : مصدر زيدت فيه الألف والنون ، والمراد بحساب دقيق ، وتقدير حكيم ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف .. أى : الشمس والقمر يجريان في هذا الكون ، بحساب دقيق في بروجهما ومنازلهما ، بحيث لا يشوب جريهما اختلال أو اضطراب ، وبذلك يعرف الناس السنين والشهور والأيام ، ويعرفون أشهر الحج والصوم ، وغير ذلك من شئون الحياة ...
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) والمراد بالنجم هنا ـ عند بعضهم ـ النبات الذي لا ساق له ، وسمى بذلك. لأنه ينجم ـ أى يظهر من الأرض ـ بدون ساق.
ويرى آخرون : أن المراد به نجوم السماء ، فهو اسم جنس لكل ما يظهر في السماء من نجوم. ويؤيد هذا الرأى قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ...) (٢).
والشجر : هو النبات الذي له ساق وارتفاع عن وجه الأرض.
والمراد بسجودهما : انقيادهما وخضوعهما لله ـ تعالى ـ كانقياد الساجد لخالقه ..
قال ابن كثير : قال ابن جرير : اختلف المفسرون في معنى قوله : (وَالنَّجْمُ) بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فعن ابن عباس قال : النجم : ما انبسط على وجه الأرض من النبات. وكذا قال هذا القول سعيد بن جبير ، والسدى ، وسفيان الثوري ، وقد اختاره ابن جرير ..
وقال مجاهد : النجم ـ المراد به هنا ـ الذي يكون في السماء ، وكذا قال الحسن وقتادة ، وهذا القول هو الأظهر ... (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ...) أى : والسماء أوجدها بقدرته مرفوعة بدون أعمدة ، وأنتم ترون ذلك بأعينكم.
__________________
(١) سورة يس الآية ٤٠.
(٢) سورة الحج الآية ١٨.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٧٠.