الرسول صلىاللهعليهوسلم من البشر ، كما حكى ـ سبحانه ـ عنهم في قوله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ...) (١).
وفي قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ...) (٢).
كما تتضمن الرد عليهم لزعمهم أنهم لا يعرفون الرحمن ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ ...) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ) بيان لنعمتين أخريين من نعمه ـ سبحانه ـ. والمراد بالإنسان : جنسه ، والمراد بالبيان : الفهم والنطق والإفصاح عما يريد الإفصاح عنه بالكلام الذي أداته اللسان.
أى خلق ـ سبحانه ـ بقدرته الإنسان على أجمل صورة ، وأحسن تقويم ، ومكنه من الإفصاح عما في نفسه عن طريق المنطق السليم ، والقول الواضح ، كما مكنه من فهم كلام غيره له ، فتميز بذلك عن الأجناس الأخرى ، وصار أهلا لحمل الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال ، وأصبح مستعدا لتلقى العلوم والخلافة في الأرض ..
ورحم الله ـ تعالى ـ صاحب الكشاف ، فقد صور هذه المعاني بأسلوبه الرصين فقال : عدد الله ـ عزوجل ـ آلاءه فقدم ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه ، وأصناف نعمائه ، وهي نعمة الدين ، وقدم من نعمة الدين ما هو في أعلى مراتبها ، وأقصى مراقيها ، وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه ، لأنه أعظم وحى الله رتبة ، وأعلاه منزلة. وأحسنه في أبواب الدين أثرا ، وهو سنام الكتب السماوية ، ومصداقها ، والعيار عليها.
وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ، ثم أتبعه إياه ، ليعلم أنه إنما خلقه للدين ، وليحيط علما بوحيه ، وكتبه ، وما خلق الإنسان من أجله .. ثم ذكر ما تميز به الإنسان عن سائر الحيوان من البيان ، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ..
ولفظ (الرَّحْمنُ) مبتدأ ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة ، وإخلاؤها من العاطف ، لمجيئها على نمط التعديد ، كما تقول : زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذل ، كثرك بعد قلة .. فما تنكر من إحسانه .. (٤).
__________________
(١) سورة النحل الآية ١٠٣.
(٢) سورة الفرقان الآية ٤.
(٣) سورة الفرقان الآية ٦٠.
(٤) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٣.