ويجعله يخشى إصابتهم بأذى.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ..) بيان لوجوب عدم تجاوز الحد عند دفع الظلم.
أى : أن الله ـ تعالى ـ يأمركم أنكم إذا أردتم الانتصار من الباغي فعليكم أن تقابلوا بغيه وظلمه وعدوانه بمثله بدون زيادة منكم على ذلك ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
قال الشوكانى : «ذكر ـ سبحانه ـ المغفرة عند الغضب في معرض المدح فقال : «وإذا ما غضبوا هم يغفرون» كما ذكر الانتصار على الباغي في معرض المدح ـ أيضا ـ لأن التذلل لمن بغى ، ليس من صفات من جعل الله له العزة ، حيث قال ـ سبحانه ـ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ). فالانتصار عند البغي فضيلة ، كما أن العفو عند الغضب فضيلة.
قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء.
ولكن هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله ـ تعالى ـ له ، وعدم مجاوزته ، كما بينه ـ سبحانه ـ عقب ذلك بقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فبين ـ سبحانه ـ أن العدل في الانتصار ، هو الاقتصار على المساواة ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما هو أسمى من مقابلة السيئة بمثلها فقال : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
أى : فمن عفا عمن أساء إليه ، وأصلح فيما بينه وبين غيره فأجره كائن على الله ـ تعالى ـ وحده ، وسيعطيه ـ سبحانه ـ من الثواب مالا يعلمه إلا هو ـ عزوجل ـ.
إنه ـ تعالى ـ لا يحب الظالمين بأى لون من ألوان الظلم.
وفي الحديث القدسي : «يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».
ثم أكد ـ سبحانه ـ ما سبق أن بينه من أن دفع بغى الباغي أمر محمود ، فقال تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).
واللام في قوله (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) هي لام الابتداء ، وقوله (بَعْدَ ظُلْمِهِ) مصدر مضاف لمفعوله و «من» شرطية ، وجوابها (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) والمراد بالسبيل : المؤاخذة والحرج.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٥٤١.