«يغفرون» إليه ، لهذه الفائدة ، ومثله «هم ينتصرون» (١).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات كريمة لهم فقال : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أى : أطاعوه في كل ما أمرهم به ، أو نهاهم عنه ..
(وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أى : حافظوا عليها ، وأدوها في أوقاتها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين.
(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أى : شأنهم أنهم إذا حدث بينهم أمر هام يحتاج إلى المراجعة والمناقشة ، تجمعوا وتشاوروا فيما هو أنفع وأصلح.
قال القرطبي ما ملخصه : «قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أى : يتشاورون في الأمور.
والشورى مصدر شاورته ـ والتشاور : استخراج الرأى من الغير ..
قال الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وقال ابن العربي : الشورى : ألفة للجماعة ، ومسبار للعقول ، وسبب إلى الصواب.
وقد قال الشاعر الحكيم :
إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن |
|
برأى لبيب أو نصيحة حازم |
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة |
|
فإن الخوافي قوة للقوادم (٢) |
وقد كان الرسول صلىاللهعليهوسلم يستشير أصحابه في الأمور التي تتعلق بالحروب وما يشبهها من الأمور الدنيوية ، ولم يكن يشاورهم في الأحكام لأنها منزلة من عند الله ـ تعالى ـ.
فأما الصحابة فكانوا يتشاورون في الأحكام ، ويستنبطونها من الكتاب والسنة ، فقد تشاوروا في الخلافة بعد موت الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي ميراث الجد ، وفي حروب المرتدين (٣).
وقوله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أى ومن صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين ـ أيضا ـ أنهم مما أعطيناهم من الرزق ، يتصدقون على غيرهم من المحتاجين.
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أى : أن من صفاتهم كذلك أنهم إذا بغى عليهم باغ ، أو ظلمهم ظالم ، أو اعتدى على كرامتهم أو على دينهم معتد ، فإنهم لا يخضعون له ، ولا يذلون أمامه ، وإنما هم ينتصرون لدينهم ولكرامتهم ، بأن يقابلوا بغيه وعدوانه ، بما يردعه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٢٧.
(٢) الخوافي الريش الذي يختفى عند ما يضم الطائر جناحيه. والقوادم : الريش الظاهر الكثير.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٦.