أى : أن من انتصر لدينه وعرضه ، بعد ظلم الظالم له ، فأولئك الذين يفعلون ذلك ، لا يؤاخذون من أحد ، ولا يلامون من غيرهم ، لأنهم باشروا حقهم الذي شرعه الله ـ تعالى ـ لهم ، وهو مقابلة السيئة بمثلها.
ثم بين ـ سبحانه ـ على من تقع المؤاخذة والمعاقبة فقال : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ).
أى : إنما المؤاخذة والمعاقبة كائنة على الذين يظلمون غيرهم من الناس ، ويتكبرون ويتجاوزون حدودهم في الأرض بغير الحق.
وقيد ـ سبحانه ـ البغي في الأرض بكونه بغير الحق ، لبيان أنه لا يكون إلا كذلك ، إذ معناه في اللغة تجاوز الحد. يقال : بغى الجرح ، إذ تجاوز الحد في فساده ، فهذا القيد إنما هو لبيان الواقع ، وللتنفير منه.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أى : أولئك الذين من صفاتهم الظلم والبغي لهم عذاب أليم ، بسبب ما اجترحوه من ظلم وبغى.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الصفات الكريمة للمؤمنين فقال : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
أى : وللإنسان الصابر على الأذى الذي يصفح عمن أساء إليه ، الثواب الجزيل ، والعاقبة الحسنة ، لأن ذلك الصبر والمغفرة منه ، لمن الأمور التي تدل على علو الهمة ، وقوة العزيمة ..
هذا ، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يراها قد مدحت المؤمنين الصادقين بجملة من الصفات الحميدة ، التي تعتبر على رأس الصفات الأساسية ، لكل أمة تريد أن تنال الظفر والسعادة في دنياها وآخرتها.
وبعد هذا الحديث عن المؤمنين وعن صفاتهم الكريمة وعما أعده سبحانه لهم من ثواب ، جاء الحديث عن الظالمين وما أعد لهم من عقاب ، وأمرهم ـ سبحانه ـ بالاستجابة لدعوة الحق من قبل أن يأتى يوم الحساب ، الذي لا ينفعهم فيه شفيع أو نصير ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ