وقوله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ ..) معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أو بدل منه.
وكبائر الإثم : هي الذنوب الكبيرة التي يترتب عليها إقامة الحد على فاعلها أو الوعيد الشديد من الله ـ تعالى ـ لمرتكبها ، كقتل النفس ، وتعاطى الربا ، وما يشبه ذلك من الكبائر.
والفواحش : جمع فاحشة ، وهي من جملة كبائر الإثم ، إلا أن الله ـ تعالى ـ خصها بالذكر من باب عطف الخاص على العام ، اهتماما وأكثر ما تطلق الفواحش على جريمة الزنا.
كما قال ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
والمعنى : وما عند الله ـ تعالى ـ من ثواب في الآخرة خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، وللذين يجتنبون ارتكاب كبائر الآثام ، كقتل النفس ، وأكل أموال الناس بالباطل ، ويجتنبون كذلك ما فحش وعظم قبحه من الذنوب ، كالزنا والبخل بما آتاهم الله من فضله ..
وليس المراد من هذه الآية الكريمة فتح الباب لارتكاب صغائر الآثام والذنوب ، بل المراد بيان فضل الله ـ تعالى ـ على عباده ، ورحمته بهم ، وبيان أن اجتناب كبائر الإثم والفواحش ، يؤدى ـ بفضل الله وكرمه ـ إلى غفران صغائر الذنوب ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) صفة أخرى من صفاتهم الكريمة.
أى : ما عند الله خير وأبقى ، للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، وللذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وللذين من صفاتهم ـ أيضا ـ أنهم يتجاوزون عن الشخص الذي أغضبهم ، ويصفحون عنه ، ويحلمون عليه.
وخص حالة غضبهم بالغفران ، لأن هذه الحالة لا يقدر عليها إلا أصحاب العزائم القوية ، إذ من المعروف أن الإنسان في حالة غضبه ، كثيرا ما يفقد صوابه ، ويغلب عليه عدم السيطرة على مشاعره ، فإذا ما استطاع أن يكظم غيظه في حالة غضبه ، كان ذلك دليلا على قوة إيمانه وعلى ملكه لنوازع نفسه.
قال صاحب الكشاف : «هم يغفرون» أى : هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب ، لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس. والمجيء بلفظ «هم» وإيقاعه مبتدأ وإسناد
__________________
(١) راجع تفسيرنا لهذه الآية في سورة النساء ص ١٢٨.