ويحولها ـ بفضله إلى حسنات ، كما قال ـ تعالى ـ (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) تحذير من التمادي في تأخير التوبة ، وفي اقتراف ما نهى عنه ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول : لقد فتحت لكم باب التوبة والعفو ، فأقبلوا على طاعتي ، واتركوا معصيتي ، فإنى عليم بما تفعلونه من خير أو شر ، وسأجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
و (ما) في قوله (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) موصولة ، والعائد محذوف. أى : ويعلم الذي تفعلونه دون أن يخفى عليه ـ تعالى ـ شيء منه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ..) معطوف على قوله : (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ).
أى : ويستجيب سبحانه من الذين آمنوا دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه ، بأن يعطيهم من النعم والخيرات أكثر مما سألوا.
قال الآلوسى ما ملخصه : والموصول مفعول بدون تقدير شيء ، بناء على أن (يَسْتَجِيبُ) يتعدى بنفسه ، كما يتعدى باللام ، نحو شكرته وشكرت له ، أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإيصال ، والأصل : ويستجيب للذين آمنوا .. (١).
(وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أى : هذا هو حال المؤمنين يجيب لهم ـ سبحانه ـ دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه .. أما الكافرون الذين ستروا نعمه ، وجحدوا فضله ، فلهم عذاب شديد لا يعلم مقداره إلا هو ـ سبحانه ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا مما اقتضته حكمته في تدبير أمور عباده فقال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ).
والبغي : تجاوز الحد في كل شيء يقال : بغى الجرح ، إذا أظهر ما يداخله من دم أو غيره.
وبغى القوم ، إذا تجاوزوا حدودهم في العدوان على غيرهم.
أى : ولو بسط الله ـ تعالى ـ الرزق لعباده ، بأن وسعه عليهم جميعا توسعة فوق حاجتهم ، (لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أى : لتجاوزوا حدودهم ، ولتكبروا فيها ، ولطغوا وعتوا وتركوا الشكر لنا ، وقالوا ما قاله قارون : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ٣٧.