ولا شك أن منع أذاهم عنه صلىاللهعليهوسلم بسبب قرابته فيهم ليس أجرا.
وثانيها : أن المراد بالقربى هنا : أقاربه وعشيرته وعترته فيكون المعنى لا أسألكم أجرا على دعوتي لكم إلى الخير والحق ، ولكن أسألكم أن تحفظوني في قرابتي وأهل بيتي ، بأن تحسنوا إليهم ولا تؤذوهم بأى نوع من الأذى.
ولا شك ـ أيضا ـ أن إحسانهم إلى أقاربه ، ليس أجرا منهم له على ذلك لأن الإحسان إلى الناس ، شيء قررته جميع الشرائع وتقتضيه مكارم الأخلاق.
وثالثها : أن المراد بالقربى هنا : التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بالإيمان والعمل الصالح.
أى : لا أسألكم على التبليغ أجرا ، ولكن أسألكم أن تتقربوا إلى الله ـ تعالى ـ بما يرضيه بأن تتركوا الكفر والفسوق والعصيان ، وتدخلوا في الإيمان والطاعة لله ـ تعالى ـ.
وهذا الذي طلبه منهم ، ليس أجرا على التبليغ ، لأن التقرب إلى الله بالطاعات فرض عليهم. وقد رجح العلماء القول الأول ، واستدلوا على هذا الترجيح بأحاديث منها : ما رواه البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن معنى قوله ـ تعالى ـ (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، فقال سعيد بن جبير : «قربى آل محمد» فقال ابن عباس : عجلت. إن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
وقال ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث وغيره ، وبهذا الرأى قال مجاهد وعكرمة ، وقتادة ، والسدى ، وأبو مالك ، وعبد الرحمن بن زيد ، وغيرهم (١).
وقال الإمام ابن جرير ـ بعد أن ساق هذه الأقوال ـ وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل ، قول من قال معناه : لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم.
وإنما قلت هذا التأويل أولى بتأويل الآية ، لدخول (فِي) في قوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).
ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال إلا أن تودوا قرابتي ، أو تتقربوا إلى الله ، لم يكن لدخول (فِي) في الكلام في هذا الموضع وجه معروف ولكان التنزيل إلا مودة القربى ، إن عنى به الأمر بمودة قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو إلا المودة بالقربى إن عنى به الأمر بالتودد والتقرب إلى الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٨٧.