وفي دخول (فِي) في الكلام أوضح الدليل على أن معناه إلا مودتي في قرابتي منكم (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على عباده فقال : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ).
وقوله (يَقْتَرِفْ) من القرف بفتح القاف وإسكان الراء. بمعنى الكسب ، يقال : فلان يقرف لعياله ، أى : يكسب لهم ما يكفيهم لأمور معاشهم.
ومن يكتسب حسنة يبغى بها التقرب إلى الله تعالى ، نضاعف له ـ بفضلنا وإحساننا ـ ثوابها ، إن الله تعالى واسع المغفرة لعباده. كثير الشكر للطائعين بأن يعطيهم من فضله أكثر مما يستحقون ويرجون.
ثم عادت السورة إلى توبيخ الكافرين على كذبهم وعنادهم ، فقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).
أى : بل أيقولون إن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد افترى على الله ـ تعالى ـ كذبا فيما يدعونا إليه ، وفيما يتلوه علينا من قرآن؟
ثم أجاب ـ سبحانه ـ عن افترائهم هذا بقوله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) أى : فإن يشأ الله ـ تعالى ـ يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفترى عليه الكذب ، لأن افتراء الكذب على الله لا يكون إلا ممن طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، وأنت أيها الرسول الكريم مبرأ ومنزه عن ذلك.
فالمقصود من الجملة الكريمة تنزيه ساحة الرسول صلىاللهعليهوسلم عما قاله المشركون في شأنه ، وإثبات أن افتراء الكذب. إنما هو من شأنهم لا من شأنه صلىاللهعليهوسلم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) أى : فإن يشأ الله ـ تعالى ـ يجعلك من المختوم على قلوبهم ، حتى تفترى عليه الكذب ، فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم.
وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وأنه في البعد مثل الشرك بالله ، والدخول في جملة المختوم على قلوبهم ومثال هذا : أن يخوّن بعض الأمناء فيقول : لعل الله خذلنى ، لعل الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب ، وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله ، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم. (٢).
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٥ ص ١٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٢٣.