وقوله ـ تعالى ـ (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) دعاء عليهم بأن ينزل بهم ما توقعوه للمؤمنين من سوء. أى : عليهم وحدهم ينزل ما يتمنونه للمؤمنين من شر وسوء.
والدائرة في الأصل : تطلق على الخط المحيط بالشيء. ثم استعملت في النازلة المحيطة بمن نزلت به. وتستعمل أكثر ما تستعمل في المصائب والمكاره.
قال صاحب الكشاف : قوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أى : ما يظنونه ويتوقعونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم. والسوء : الهلاك والدمار.
فإن قلت : هل من فرق بين السّوء والسّوء؟ قلت : هما كالكره والكره ، والضّعف والضّعف : من ساء ، إلا أن المفتوح غالب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء ، وأما السوء بالضم ، فجار مجرى الشر الذي هو نقيض الخير (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).
أى : ليس عليهم دائرة السوء فقط ، بل وفضلا عن ذلك فقد غضب الله ـ تعالى ـ عليهم ، وطردهم من رحمته ، وأعد لهم في الآخرة نار جهنم ، وساءت هذه النار مصيرا لهم.
ثم أكد ـ سبحانه ـ ملكيته لكل شيء فقال : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، أى : ولله ـ تعالى ـ وحده جنود السموات والأرض ، وكان ـ سبحانه ـ وما زال غالبا على كل شيء ، حكيما في كل أوامره ونواهيه. وفي كل تصرفاته وأفعاله.
ولما كان المقصود من ذكر الجنود هنا : تهديد المنافقين والمشركين ، وأنهم في قبضته ـ تعالى ـ ، ناسب أن تذيل الآية هنا بقوله : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) لأن العزة تقتضي الغلبة للغير.
ولما كان المقصود من ذكر الجنود في الآية الرابعة ، بيان أن المدبر لهذا الكون هو الله ـ تعالى ـ ناسب أن تذيل الآية هناك بقوله ـ سبحانه ـ : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
ثم حدد الله ـ تعالى ـ الوظيفة التي كلف بها رسوله صلىاللهعليهوسلم وبشر المؤمنين الذين وفوا بعهودهم بالأجر العظيم فقال :
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٣٤.