وأما الثاني : فلكثرة النصوص في هذا المعنى ، ومنها الآية التي معنا وأمثالها ، ومنها وما روى عن ابن عمر قال : قلنا : يا رسول الله ، إن الايمان يزيد وينقص ، قال : «نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخله النار».
وقال الإمام النووي وغيره : إن الايمان بمعنى التصديق القلبي ، يزيد وينقص ـ أيضا بكثرة النظر ، ووضوح الأدلة ، ولهذا كان إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ شمول ملكه وقدرته فقال : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). أى : ولله ـ تعالى ـ وحده جنود السموات والأرض من ملائكة وجن وإنس ، إذ الكل تحت قهره وسلطانه ، فهو ـ سبحانه ـ الذي يدبر أمرهم كيف شاء ، ويدفع بعضهم ببعض كما تقتضي حكمته وإرادته ، وهو ـ تعالى ـ العليم بكل شيء. الحكيم في جميع أفعاله ...
واللام في قوله ـ سبحانه ـ : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) متعلقة بمحذوف أو بقوله : (فَتَحْنا) ..
أى : فعل ـ سبحانه ـ ما فعل من جعل جنود السموات والأرض تحت سيطرته وملكه ، ومن دفع الناس بعضهم ببعض ، ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار. (خالِدِينَ فِيها) خلودا أبديا (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التي فعلوها في دنياهم ، بأن يغفرها لهم ، ويزيلها عنهم ، بل ويحولها لمن شاء منهم بفضله وكرمه إلى حسنات.
(وَكانَ ذلِكَ) الإدخال للمؤمنين الجنة ، وتكفير سيئاتهم ..
(عِنْدَ اللهِ) ـ تعالى ـ (فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره ، لأنه نهاية آمال المؤمنين ، وأقصى ما يتمناه العقلاء المخلصون.
(وَيُعَذِّبَ) ـ سبحانه ـ بعدله (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ ، وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ ، الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ ...).
أى : الظانين بالله ـ تعالى ـ وبرسوله وبالمؤمنين الظن السيئ بأن توهموا أن الدائرة ستدور على المؤمنين وأنهم هم الذين سينتصرون. أو أنهم هم على الحق. وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم وأتباعه على الباطل.
فقوله : (السَّوْءِ) صفة لموصوف محذوف. أى : الظانين بالله ظن الأمر السوء.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٩٢.