الطريق القويم ، والدين الحق ، والأقوال الطيبة ، والأعمال الصالحة ..
(وَيَنْصُرَكَ اللهُ) ـ تعالى ـ (نَصْراً عَزِيزاً) أى : نصرا قويا منيعا لا يغلبه غالب ، ولا يدفعه دافع ، لأنه من خالقك الذي لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ..
هذا ، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يرى أن الله ـ تعالى ـ قد أكرم نبيه صلىاللهعليهوسلم إكراما لا يدانيه إكرام ، ومنحه من الخير والفضل ما لم يمنحه لأحد سواه.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ..) ..
والسكينة : من السكون ، والمراد بها الثبات والطمأنينة التي أودعها ـ سبحانه ـ في قلوب المؤمنين ، فترتب على ذلك أن أطاعوا الله ورسوله ، بعد أن ظنوا أن في شروط صلح الحديبية ظلما لهم. وأن بايعوا النبي صلىاللهعليهوسلم على الموت بعد أن بلغهم أن عثمان ـ رضى الله عنه ـ قد قتله المشركون ، وفي التعبير عن ذلك بالإنزال ، إشعار بعلو شأنها ، حتى لكأنها كانت مودعة في خزائن رحمة الله ـ تعالى ـ ، ثم أنزلها بفضله في قلوبهم بعد ذلك ..
أى : هو ـ سبحانه ـ بفضله ورحمته ، الذي أنزل السكينة والطمأنينة والثبات في قلوب المؤمنين ، فانشرحت صدورهم لهذا الصلح بعد أن ضاقت في أول الأمر.
وقوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) تعليل لهذا الإنزال للسكينة.
أى : أوجد السكينة وخلقها في قلوبهم ، ليزدادوا يقينا على يقينهم ، وتصديقا إلى تصديقهم وثباتا على ثباتهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١).
وقد أخذ العلماء من هذه الآية وأمثالها ، أن الإيمان يزيد وينقص.
قال الآلوسى ما ملخصه : قال البخاري : لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار ، فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص.
واحتجوا على ذلك بالعقل والنقل. أما العقل ، فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة المنهمكين في الفسوق والمعاصي ، مساويا لإيمان الأنبياء ، واللازم باطل ، فكذا الملزوم ..
__________________
(١) سورة التوبة الآية ١٢٤.