وقال بعض العلماء : وقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) هو كناية عن عدم المؤاخذة. أو المراد بالذنب ما فرط منه صلىاللهعليهوسلم من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه صلىاللهعليهوسلم أو المراد بالغفران : الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها ، فلا يصدر منه ذنب. لأن الغفر هو الستر ، والستر إما بين العبد والذنب ، وهو اللائق بمقام النبوة ، أو بين الذنب وعقوبته ، وهو اللائق بغيره.
واللام في (لِيَغْفِرَ) للعلة الغائية. أى : أن مجموع المتعاطفات الأربعة غاية للفتح المبين ، وسبب عنه لا كل واحد منها.
والمعنى : يسرنا لك هذا الفتح لإتمام النعمة عليك ، وهدايتك إلى الصراط المستقيم ، ولنصرك نصرا عزيزا.
ولما امتن الله عليه بهذه النعم ، صدرها بما هو أعظم ، وهو المغفرة الشاملة ليجمع له بين عزى الدنيا والآخرة. فليست المغفرة مسببة عن الفتح (١).
ولقد كان صلىاللهعليهوسلم مع هذه المغفرة من الله ـ تعالى ـ له ، أعبد الناس لربه ، وأشدهم خوفا منه ، وأكثرهم صلة به.
قال ابن كثير : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال : سمعت المغيرة بن شعبة يقول : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلى حتى ترم قدماه أى : تتورم ـ فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا» ..
وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه ـ أى : تتشقق ـ فقالت له عائشة : يا رسول الله ، أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟.
فقال : «يا عائشة ، أفلا أكون عبدا شكورا ..» (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) معطوف على ما قبله. أى : ويتم ـ سبحانه ـ نعمه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ بأن يظهر دعوتك ، ويكتب لها النصر ، والخلود ، ويعطيك من الخصائص والمناقب ما لم يعطه لأحد من الأنبياء ، فضلا عن غيرهم.
(وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أى : ويهديك ويرشدك ـ سبحانه ـ بفضله وكرمه ، إلى
__________________
(١) تفسير صفوة البيان ج ٢ ص ٣٣٣ لفضيلة الشيخ حسنين مخلوف.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٠٩.