قال ابن هشام : والدليل على صحة قول الزهري ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة من أصحابه ثم خرج إلى مكة في عام الفتح ـ بعد ذلك بسنتين ـ في عشرة آلاف من أصحابه.
وقد أكد ـ سبحانه ـ هذا الفتح بثلاثة أنواع من المؤكدات ، وهي «إن» والمصدر «فتحا» والوصف «مبينا» وذلك للمسارعة إلى تبشير المؤمنين بتحقق هذا الفتح ، ولإدخال السرور على قلوبهم ، بعد تلك الشروط التي اشتمل عليها الصلح ، والتي ظنها بعضهم أن فيها إجحافا بالمسلمين.
وأسند ـ سبحانه ـ الفعل إلى نون العظمة (فَتَحْنا) لتفخيم شأن المخبر ـ عزوجل ـ وعلو شأن المخبر عنه وهو الفتح.
وقدم ـ سبحانه ـ الجار والمجرور (لَكَ) على المفعول المطلق (فَتْحاً) للاهتمام وللإشعار بأن ذلك الفتح كان من أجله صلىاللهعليهوسلم وفي ذلك ما فيه من تعظيم أمره صلىاللهعليهوسلم ومن وجوب طاعته ، والامتثال لأمره.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك مظاهر فضله على رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).
واللام في قوله (لِيَغْفِرَ) متعلقة بقوله : (فَتَحْنا) وهي للتعليل. والمراد بما تقدم من ذنبه صلىاللهعليهوسلم ما كان قبل النبوة ، وبما تأخر منه ما كان بعدها.
والمراد بالذنب هنا بالنسبة له صلىاللهعليهوسلم ما كان خلاف الأولى ، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو المراد بالغفران : الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها ، فلا يصدر منه صلىاللهعليهوسلم ذنب ، لأن غفران الذنوب معناه : سترها وتغطيتها وإزالتها.
قال الشوكانى : وقوله ـ تعالى ـ : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) اللام : متعلقة بفتحنا وهي لام العلة ، قال المبرد : هي لام كي ومعناها : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ـ أى : ظاهرا واضحا مكشوفا ـ لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح ، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي.
وقال ابن عطية : المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك ، فكأنها لام الصيرورة .. (١).
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٤٤ للشوكانى.