والفتح في الأصل : إزالة الأغلاق عن الشيء .. وفتح البلد : المقصود به الظفر به ، ووقوعه تحت سيطرة الفاتح.
والذي عليه المحققون من العلماء أن المراد بالفتح هنا : صلح الحديبية وما ترتب عليه من خيرات كثيرة ، ومنافع جمة للمسلمين.
ويشهد لذلك أحاديث متعددة منها : ما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان قد خرج إليها صلىاللهعليهوسلم يوم الاثنين هلال ذي القعدة ، فأقام بها بضعة عشر يوما ، ثم قفل راجعا إلى المدينة ، فبينما نحن نسير إلى المدينة إذ أتاه الوحى ـ وكان إذا أتاه اشتد عليه ـ فسرى عنه وبه من السرور ما شاء الله ، فأخبرنا أنه أنزل عليه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن مجمع بن جارية الأوسى قال : شهدنا الحديبية ، فلما انصرفنا منها وجدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم واقفا عند كراع الغميم ـ موضع بين مكة والمدينة ـ وقد جمع الناس وقرأ عليهم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الآيات.
فقال رجل : يا رسول الله ، أو فتح هو؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : أى والذي نفسي بيده إنه لفتح (١).
ويرى بعضهم : أن المراد بالفتح هنا : فتح مكة ، والتعبير عنه بالماضي في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) لتحقق الوقوع ، فهو من قبيل قوله ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ...) ويبدو لنا أن المراد بالفتح هنا صلح الحديبية لوجود الآثار الصحيحة التي تشهد لذلك ، ولأن هذا الصلح قد ترتب عليه من المنافع للدعوة الإسلامية ما يجعله من أعظم الفتوح ، إن لم يكن أعظمها.
لقد ترتب عليه أن انتشر الأمان بين المسلمين والمشركين ، فاستطاع المسلمون أن ينشروا دعوة الحق في مكة وفي غيرها ، كما استطاعوا أن ينتقلوا من مكان إلى آخر للتبشير بدينهم ، فترتب على ذلك أن دخل في الإسلام عدد كبير من الناس.
قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين ، فسمعوا كلامهم ، وتمكن الإسلام من قلوبهم ، وأسلم خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٠٧ وتفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٨٣.