وشرع لكم كذلك ما وصى به ـ سبحانه ـ أنبياءه : إبراهيم وموسى وعيسى ، من وصايا تتعلق بوجوب طاعة الله ـ تعالى ـ ، وإخلاص العبادة له ، والبعد عن كل ما يتنافى مع مكارم الأخلاق ، ومحاسن الشيم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) تفصيل وتوضيح لما شرعه ـ سبحانه ـ لهؤلاء الكرام ، ولما أوصاهم به.
والمراد بإقامة الدين : التزام أوامره ونواهيه ، وطاعة الرسل في كل ما جاءوا به من عند ربهم طاعة تامة.
قال صاحب الكشاف : والمراد : إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله ـ تعالى ـ وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه ، وبيوم الجزاء ، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما ، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم حسب أحوالها ، فإنها مختلفة متفاوتة. قال الله تعالى ـ (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً).
ومحل (أَنْ أَقِيمُوا) إما النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه ، وإما الرفع على الاستئناف ، كأنه قيل : وما ذلك المشروع؟ فقيل : هو إقامة الدين. (١).
أى : أوصاكم كما أوصى من قبلكم بالمحافظة على ما اشتمل عليه دين الإسلام من عقائد وأحكام وآداب .. وأصول أجمعت عليها جميع الشرائع الإلهية ، كما أوصاكم بعدم الاختلاف في أحكامه التي لا تقبل الاختلاف أو التفرق.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف المشركين من الدين الحق فقال : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ).
أى : شق وعظم على المشركين دعوتكم إياهم إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ ، وإلى ترك ما ألفوه من شرك ، ومن تقاليد فاسدة ورثوها عن آبائهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) بيان لكمال قدرته ـ تعالى ـ ونفاذ مشيئته. والاجتباء : الاصطفاء والاختيار. أى : الله ـ تعالى ـ بإرادته وحكمته يصطفى ويختار لرسالته من يشاء من عباده ، ويهدى إلى الحق من ينيب إليه ، ويرجع إلى طاعته ـ عزوجل ـ ويقبل على عبادته.
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي أدت إلى اختلاف المختلفين في أمر الدين ، وإلى تفرقهم شيعا وأحزابا فقال. (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢١٥.