والاستثناء مفرغ من أعم الأوقات والأحوال والضمير في قوله (تَفَرَّقُوا) يعود على كل الذين اختلفوا على أنبيائهم ، وأعرضوا عن دعوتهم.
وقوله (بَغْياً) مفعول لأجله ، مبين السبب الحقيقي للتفرق والاختلاف.
أى : وما تفرق المتفرقون في أمر الدين. وأعرضوا عما جاءتهم به رسلهم ، في كل زمان ومكان ، إلا من بعد أن علموا الحق ، ووصل إليهم عن طريق أنبيائهم ، ولم يحملهم على هذا التفرق والاختلاف إلا البغي الذي استولى على نفوسهم ، والحسد لرسل الله ـ تعالى ـ على ما آتاهم الله من فضله.
فقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) زيادة في ذمهم ، فإن الاختلاف بعد العلم ، أدعى إلى الذم والتحقير ، لأنه يدل على أن هذا الاختلاف لم يكن عن جهل ، وإنما كان عن علم وإصرار على الباطل.
وقوله ـ تعالى ـ (بَغْياً بَيْنَهُمْ) زيادة أخرى تحمل كل عاقل على احتقارهم ونبذهم ، لأن هذه الجملة الكريمة تدل على أن اختلافهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق ، وإنما كان الدافع إليه ، البغي والحسد والعناد.
أى : أن اختلافهم على أنبيائهم كان الدافع إليه الظلم وتجاوز الحد ، والحرص على شهوات الدنيا ولذائذها ، والخوف على ضياع شيء منها من بين أيديهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر فضله ورحمته بهذه الأمة فقال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ).
والمراد بهذه الكلمة : ما وعد الله ـ تعالى ـ : نبيه صلىاللهعليهوسلم من أنه لن يهلك أمته بعذاب يستأصل شأفتهم ، كما أهلك قوم نوح وغيرهم ، ومن أنه ـ تعالى ـ سيؤخر عذابهم إلى الوقت الذي يختاره ويشاؤه ـ سبحانه ـ.
أى : ولو لا كلمة سبقت من ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ ، بعدم إهلاكهم بعقوبة تستأصل شأفتهم ، وبتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى في علمه ـ تعالى ـ لقضى بينهم بقطع دابرهم بسبب هذا الاختلاف الذي أدى بهم إلى الإعراض عن دعوتك ، وإلى عكوفهم على كفرهم.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) وهم أهل الكتاب المعاصرين لك من اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِهِمْ) أى : من بعد الذين سبقوهم في الاختلاف على أنبيائهم.
(لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أى : لفي شك من هذا القرآن. ومن كل ما جئتهم به من عند