وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (١٦)
قال الفخر الرازي : أعلم أنه ـ تعالى ـ لما عظم وحيه إلى نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ..).
أى : شرع الله لكم يا أصحاب محمد من الدين ما وصى به نوحا ومحمدا وإبراهيم وموسى وعيسى .. وإنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر ، لأنهم أكابر الأنبياء ، وأصحاب الشرائع العظيمة ، والأتباع الكثيرة (١).
والمراد بما شرعه ـ سبحانه ـ على ألسنة هؤلاء الرسل : أصول الأديان التي لا يختلف فيها دين عن دين ، أو شريعة عن شريعة ، كإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ والإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر ، والتحلي بمكارم الأخلاق كالصدق والعفاف.
أما ما يتعلق بفروع الشرائع ، كتحليل بعض الطيبات لقوم على سبيل التيسير لهم ، وتحريمها على قوم على سبيل العقوبة لهم فهذا لا يدخل في الأصول الثابتة في جميع الأديان ، وإنما يختلف باختلاف الظروف والأحوال.
ويؤيد ذلك قوله ـ تعالى ـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ حكاية عن عيسى ـ عليهالسلام ـ (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) (٣).
والمعنى : سن الله ـ تعالى ـ لكم ـ يا أمة محمد صلىاللهعليهوسلم من العقائد ومكارم الأخلاق ، ما سنه لنوح ـ عليهالسلام ـ الذي هو أول أولى العزم من الرسل ، وأول أصحاب الشرائع الجامعة.
وشرع الله ـ تعالى ـ لكم ـ أيضا ما أوحاه إلى نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم من آداب وأحكام وأوامر ونواه.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٢٨٢.
(٢) سورة المائدة الآية ٤٨.
(٣) سورة آل عمران الآية ٥٠.