واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ الذي يجب أن يكون التحاكم إليه وحده عند الاختلاف.
أى : ذلك الحاكم العادل الذي لا حاكم بحق سواه (رَبِّي) وخالقي ورازقي .. (عَلَيْهِ) وحده (تَوَكَّلْتُ) واعتمدت في جميع شئونى (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أى : وإليه وحده أرجع في كل أمورى.
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى هو خالقهما وموجدهما على غير مثال سابق ، من فطر الشيء إذا ابتدعه واخترعه دون أن يسبق إلى ذلك.
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أى : جعل لكم ـ سبحانه ـ بقدرته من جنس أنفسكم أزواجا ، أى : نساء تجمع بينكم وبينهن المودة والرحمة ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) معطوف على ما قبله. أى : كما خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، خلق ـ أيضا ـ للأنعام من جنسها إناثا ، ليحصل التوالد والتناسل والتعمير لهذا الكون.
وقوله ـ تعالى ـ (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) بيان للحكمة من هذا الجعل والخلق للأزواج.
والذرء : التكاثر والبث. يقال : ذرأ فلان الشيء ، إذا بثه وكثره.
والضمير المنصوب في قوله (يَذْرَؤُكُمْ) يعود إلى المخاطبين وإلى الأنعام ، على سبيل التغليب للعقلاء على غيرهم.
والضمير في قوله (فِيهِ) يعود إلى التزاوج بين الذكور والإناث المفهوم من قوله ـ تعالى ـ : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً).
أى : يكثركم وينميكم بسبب هذا التزاوج الذي يحصل بين ذكوركم وإناثكم حيث يتناسل ـ أحيانا ـ بين الذكر الواحد والأنثى الواحدة ، عدد كبير من الأولاد.
وقال ـ سبحانه ـ (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) ولم يقل يذرؤكم به أى : بسببه ، للأشعار بأن هذا التزاوج قد صار مثل المنبع والأصل للبث والتكثير.
قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها ، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً).
قال بعض العلماء : فإن قيل : ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) مع