وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ، وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (٢).
ثم أنكر ـ سبحانه ـ على أولئك الجاهلين اتخاذهم آلهة من دونه فقال : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ، فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ، وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فأم بمعنى بل وهمزة الاستفهام الإنكارى ، لإنكار وقوع الشرك منهم ونفيه بأبلغ وجه.
أى : أن ما فعله هؤلاء المشركون من اتخاذهم آلهة من دونه ـ تعالى ـ شيء منكر بلغ النهاية في قبحه وفساده.
قال صاحب الكشاف : «معنى الهمزة في (أَمِ) الإنكار وقوله : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) أى : هو الذي يجب أن يتولى وحده ، ويعتقد أنه المولى والسيد ، فالفاء في قوله (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) جواب شرط مقدر ، كأنه قيل بعد إنكار كل ولى سواه. أى : إن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الولي بالحق ، لا ولى سواه (٣).
(وَهُوَ يُحْيِ) الموتى أى : وهو ـ سبحانه ـ الذي في قدرته إعادة الحياة إلى الموتى بعد موتهم.
(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى : وهو ـ تعالى ـ وحده الذي لا يعجز قدرته شيء ، وما دام الأمر كذلك ، فكيف اتخذ أولئك الجاهلون أولياء من دونه.
ثم وجه ـ سبحانه ـ أمره إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم ، بأن يرشد المؤمنين إلى وجوب تحاكمهم إلى شريعته ـ تعالى ـ إذا ما دب خلاف بينهم ، أو بينهم وبين أعدائهم ، فقال : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ).
أى : عليكم أيها المؤمنون ـ إذا ما اختلفتم في أمر من الأمور ، أن تحتكموا فيه الى شريعة الله ـ عزوجل ـ ، وأن تقبلوا عن إذعان وطاعة حكمه ـ تعالى ـ.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ..) (٤).
__________________
(١) سورة السجدة الآية ١٣.
(٢) سورة الأنعام الآية ٣٥.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢١١.
(٤) سورة النساء الآية ٥٩.