أنه على ما ذكرتم ، يعود إلى الذكور والإناث من الآدميين والأنعام؟.
فالجواب : أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن ، رجوع الضمير بصيغة الإفراد إلى المثنى أو الجمع باعتبار ما ذكر.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أى : يأتيكم بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم (١).
ثم نزه ـ سبحانه ـ ذاته عن الشبيه أو النظير .. فقال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
أى : ليس مثله شيء ـ تعالى ـ : لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فالكاف مزيدة في خبر (لَيْسَ) و (شَيْءٌ) اسمها. أى : ليس شيء مثله.
أو أن الكاف أصلية. فيكون المعنى : ليس مثله ـ تعالى ـ أحد لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال.
وذلك كقول العرب : مثلك لا يبخل ، يعنون : أنت لا تبخل على سبيل الكناية ، قصدا إلى المبالغة في نفى البخل عن المخاطب بنفيه عن مثله ، فيثبت انتفاؤه عنه بدليله.
والمقصود من الجملة الكريمة على كل تفسير : تنزيهه ـ تعالى ـ عن مشابهة خلقه في الذات أو الصفات أو الأفعال.
قال صاحب الكشاف : قالوا : مثلك لا يبخل ، فنفوا البخل عن مثله ، وهم يريدون نفيه عن ذاته ، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية ، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده ، وعمن هو على أخص أوصافه ، فقد نفوه عنه.
ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم ، كان أبلغ من قولك : أنت لا تخفر .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أى : وهو ـ سبحانه ـ السميع لكل أقوال خلقه ، البصير بما يسرونه وما يعلنونه من أفعال.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : له وحده مفاتيح خزائنهما ، وله وحده ـ أيضا ـ ملك هذه الخزائن ، لأن ملك مفاتيحها يستلزم ملكها.
والمقاليد : جمع مقلاد أو إقليد وهو المفتاح.
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ١٧٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢١٢.