وهم قوم يعظمون النجوم ـ ليقنعهم بصدق اعتذاره عن الخروج معهم ، ويتم له ما يريده من تحطيم الأصنام.
كما يبدو لنا أن قوله : «إنى سقيم» المقصود منه : إنى سقيم القلب بسبب ما أنتم فيه من كفر وضلال ، فإن العاقل يقلقه ويزعجه ويسقمه ما أنتم فيه من عكوف على عبادة الأصنام.
وقال لهم ذلك ليتركوه وشأنه ، حتى ينفذ ما أقسم عليه بالنسبة لتلك الأصنام.
فكلام إبراهيم حق في نفس الأمر ـ كما قال الإمام ابن كثير ـ وقد ترك لقومه أن يفهموه على حسب ما يعتقدون.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما فعله إبراهيم بالأصنام بعد أن انفرد بها فقال : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ).
وأصل الروغ : الميل إلى الشيء بسرعة على سبيل الاحتيال. يقال : راغ فلان نحو فلان. إذا مال إليه لأمر يريده منه على سبيل الاحتمال.
أى : فذهب إبراهيم مسرعا إلى الأصنام بعد أن تركها القوم وانصرفوا إلى عيدهم ، فقال لها على سبيل التهكم والاستهزاء : أيتها الأصنام ألا تأكلين تلك الأطعمة التي قدمها لك الجاهلون على سبيل التبرك؟
وخاطبها كما يخاطب من يعقل فقال : «ألا تأكلون» ، لأن قومه أنزلوها تلك المنزلة. وقوله : «ما لكم لا تنطقون» زيادة في السخرية بتلك الأصنام ، وفي إظهار الغيظ منها ، والضيق بها ، والغضب عليها.
هذا الغضب الذي كان من آثاره ما بينه القرآن في قوله : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أى : فمال عليهم ضاربا إياهم بيده اليمنى ، حتى حطمهم كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
وقال ـ سبحانه ـ : (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) للدلالة على أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لشدة حنقه وغضبه على الأصنام ـ قد استعمل في تحطيمها أقوى جارحة يملكها وهي يده اليمنى. وقيل : يجوز أن يراد باليمين : اليمين التي حلفها حين قال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ).
وانتهى إبراهيم من تحطيم الأصنام ، وارتاحت نفسه لما فعله بها ، وشفى قلبه من الهم والضيق الذي كان يجده حين رؤيتها ...
وجاء قومه من رحلتهم ، ووجدوا أصنامهم قد تحطمت ، ويترك القرآن هنا ما قالوه