كما جاء وصفهم بذلك فيما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض مسجدا. وجعلت لنا تربتها طهورا إذا لم نجد الماء» (١).
وفي حديث آخر رواه مسلم وغيره عن جابر بن سمره قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم»؟ قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال : «يتمون الصفوف المتقدمة ، ويتراصون في الصف» (٢).
وجاء وصفهم بما يدل على أنهم يلقون الذكر على غيرهم من الأنبياء ، لأجل الإعذار والإنذار به. كما في قوله ـ تعالى ـ في أوائل المرسلات : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً. عُذْراً أَوْ نُذْراً).
قال الإمام ابن كثير : قوله : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) هم الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس ، وهذه الآية كقوله ـ تعالى ـ : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً. عُذْراً أَوْ نُذْراً) (٣) ومنهم من يرى أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات هنا : العلماء الذين يصفون أقدامهم عند الصلاة وغيرها من الطاعات ، ويزجرون غيرهم عن المعاصي ، ويتلون كلام الله ـ تعالى ـ.
ومنهم من يرى أن المراد بالصافات : الطيور التي تصف أجنحتها في الهواء وبالزاجرات وبالتاليات : جماعات الغزاة في سبيل الله ، الذين يزجرون أعداء الله ـ تعالى ـ : ويكثرون من ذكره.
ويبدو لنا أن القول الأول هو الأظهر والأرجح ، لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي سقناها قبل ذلك تؤيده ، ويؤيده ـ أيضا ـ ما يجيء بعد ذلك من أوصاف للملائكة كما في قوله ـ تعالى ـ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ) والمراد بالملإ الأعلى هنا. الملائكة.
ولأن هذا القول هو المأثور عن جماعة من الصحابة والتابعين ، كابن مسعود وابن عباس ، ومسروق ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ومجاهد.
وإنما أقسم الله ـ تعالى ـ هنا بالملائكة ، لشرفهم ، وسمو منزلتهم وامتثالهم لأوامره ـ
__________________
(١) صحيح مسلم : في كتاب المساجد ج ٢ ص ٦٣.
(٢) صحيح مسلم كتاب الصلاة ج ٢ ص ٢٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣.