وقوله ـ تعالى ـ (يُلْحِدُونَ) من الإلحاد وهو الميل عن الاستقامة ، والعدول عن الحق.
يقال ألحد فلان في كلامه إذا مال عن الصواب ، ومنه اللحد في القبر ، لأنه أميل إلى ناحية منه دون الأخرى.
والمعنى : إن الذين يميلون عن الحق في شأن آياتنا بأن يؤولوها تأويلا فاسدا ، أو يقابلوها باللغو فيها وعدم التدبر لما اشتملت عليه من توجيهات حكيمة ..
هؤلاء الذين يفعلون ذلك : (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) أى ليسوا بغائبين عن علمنا ، بل هم تحت بصرنا وقدرتنا ، وسنجازيهم بما يستحقون من عقاب مهما ألحدوا ومالوا عن الحق والصواب.
فالجملة تهديد لهم على تحريفهم الباطل لآيات الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ البون الشاسع بين عاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين ، فقال : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟.
والغرض من هذا الاستفهام بيان أن الذين يلحدون في آيات الله سيكون مصيرهم الإلقاء في النار ، وأن الذين استجابوا للحق وساروا على طريقه وهم المؤمنون ، سيأتون آمنين من الفزع يوم القيامة.
قال الآلوسى : «وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة ، لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل ، اعتناء بشأن المؤمنين ، لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ، ولذا عبر عن الأول بالإلقاء الدال على القهر والقسر ، وعبر عن الثاني بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا ، مع الأمن ودخول الجنة ..» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تهديد آخر لهم على إلحادهم.
أى : اعملوا أيها الملحدون ما شئتم من أعمال قبيحة ، فإنها لا تخفى على خالقكم ـ عزوجل ـ ، لأنه بصير بكم ، ومطلع على أفعالكم ، وسيجازيكم عليها الجزاء العادل الذي تستحقونه.
فالمقصود من الأمر في قوله ـ تعالى ـ (اعْمَلُوا) التهديد والوعيد.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى ما سبق تهديدا ثالثا فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ).
وخبر «إن» هنا محذوف للعلم به مما سبق ، أى : إن الذين كفروا بالقرآن الكريم حين
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢ ص ١٢٧.