بزمانكم. ومكانكم. وذواتكم. ومطعمكم ومشربكم. هو الله ربكم الذي تولاكم بتربيته ورعايته في جميع أطوار حياتكم. فتبارك الله ـ تعالى ـ وتعاظم في ذاته وفي صفاته. فهو رب العالمين ومالك أمرهم.
(هُوَ الْحَيُ) أى : هو ـ سبحانه ـ المنفرد بالحياة الدائمة الباقية ..
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا موجود يدانيه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
(فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أى : فاعبدوه عبادة خالصة لوجهه الكريم ، وأطيعوه طاعة لا مكان معها للتردد أو التكاسل ، حالة كونكم قائلين : الحمد لله رب العالمين.
قال ابن جرير : كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال لا إله إلا الله ، أن يتبعها بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) عملا بهذه الآية (١).
ثم لقن الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم الرد الذي يوبخ به المشركين فقال : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي ...).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين الذين يطلبون منك مشاركتهم في عبادة آلهتهم : قل لهم إنى نهيت من ربي وخالقي ومالك أمرى عن عبادة غيره ـ تعالى ـ ، والسبب في ذلك أن كل الدلائل والبراهين التي أكرمنى ـ سبحانه ـ بها ، تشهد وتصرح بأن المستحق للعبادة هو الله ـ تعالى ـ وحده.
فقوله : (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) بيان السبب الذي من أجله نهاه ربه عن عبادة غيره ، وهذه البينات تشمل دلائل التوحيد العقلية والنقلية.
وقوله (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أى : إنى بعد أن نهاني ربي عن عبادة غيره ، أمرنى بأن أسلم وجهى إليه بالعبادة والطاعة ، إذ هو وحده رب العالمين ومالك أمرهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر قدرته في خلق الإنسان في أطوار مختلفة ، فقال ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أى : خلق أباكم آدم من تراب ، وأنتم فرع عنه.
(ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) وأصل النطفة : الماء الصافي. أو القليل من الماء الذي يبقى في الدلو أو القربة ، وجمعها نطف ونطاف. يقال : نطفت القربة إذا تقاطر ماؤها بقلة.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٢٤ ص ٥٣.