ومن الأحاديث التي أوردها الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، ما رواه الإمام مسلم وأبو داود ، والنسائي ، وأحمد ، عن أبى الزبير محمد بن مسلم المكي قال : كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهلل بهن دبر كل صلاة (١).
ثم يذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك من صفاته العظمى ، ما يزيد المؤمنين في إخلاص العبادة له ، فيقول : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ..) أى : هو ـ تعالى ـ وحده صاحب الرفعة والمقام العالي ، وهو وحده صاحب العرش العظيم ، الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا هو ..
قال الآلوسى قوله : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) رفيع صفة مشبهة أضيفت الى فاعلها من رفع الشيء إذا علا .. والدرجات : مصاعد الملائكة إلى أن يبلغوا العرش ، أى : رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه .. ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه ـ عز شأنه ـ كما أن قوله ـ تعالى ـ : (ذُو الْعَرْشِ) كناية عن ملكه ـ جل جلاله ـ .. (٢).
والمراد بالروح في قوله ـ تعالى ـ : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : الوحى الذي يوحى به على أنبيائه ، وأمين هذا الوحى جبريل ـ عليهالسلام ـ.
أى : هو وحده ـ سبحانه ـ الذي يلقى الوحى. حالة كون هذا الوحى ناشئا من أمره وقضائه على من يختاره لهذا الإلقاء من عباده الصالحين. فقوله (مِنْ أَمْرِهِ) متعلق بمحذوف حال من الروح.
وسمى الوحى روحا ، لأن الأرواح تحيا به ، كما أن الأجساد تحيا بالغذاء.
وقوله ـ تعالى ـ : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) بيان للوظيفة الخاصة بمن يختاره ـ سبحانه ـ من عباده لإلقاء الوحى عليه.
والإنذار : الإعلام المقترن بالتخويف والتحذير ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذارا.
والمراد بيوم التلاق : يوم القيامة ، وسمى بيوم التلاق لأنه يتلاقى فيه الأولون والآخرون والمؤمنون والكافرون ، والظالمون والمظلومون .. الكل يتلاقى في ساحة المحشر ليقضى الله
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٢٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ٥٥.