منها إقباله عليهم ، ونداؤهم ، ومنها : إضافتهم إليه إضافة تشريف ، ومنها : الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، في قوله : (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ، ومنها : إضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى ، ومنها : إعادة الظاهر بلفظه في قوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ) ومنها : إبراز الجملة من قوله : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) مؤكدة بإن ، والفصل ، وبإعادة الصفتين اللتين تضمنتهما الجملة السابقة.
وقال عبد الله بن مسعود وغيره : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى (١).
وبعد أن فتح ـ سبحانه ـ لعباده باب رحمته فتحا واسعا كريما .. أتبع ذلك بحضهم على التوبة والإنابة إليه ، حتى يزيدهم من فضله وإحسانه فقال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).
أى قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ، وارجعوا إليه بالتوبة والإنابة ، وأخلصوا له العبادة ، من قبل أن ينزل بكم العذاب الذي لا تستطيعون دفعه ثم لا تجدون من ينجيكم منه.
فأنت ترى أن الآية الأولى بعد أن فتحت للعصاة باب رحمة الله على مصراعيه ، جاءت الآية الثانية فحثتهم على التوبة الصادقة النصوح ، حتى تكون رحمة الله ـ تعالى ـ بهم أكمل وأتم وأوسع ، فإن التوبة النصوح سبب في تحويل السيئات إلى حسنات.
كما قال ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٢).
ثم أمرهم باتباع أوامر القرآن الكريم ونواهيه فقال : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
أى : واتبعوا هذا القرآن الكريم ، الذي هو أحسن ما أنزله ـ سبحانه ـ إليكم ، بسبب ما اشتمل عليه من هدايات سامية ، ومن تشريعات حكيمة. ومن آداب قويمة.
فإن اتباع ما اشتمل عليه هذا القرآن من توجيهات. يؤدى إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) متعلق بالأمر بالاتباع ، وإرشاد إلى وجوب الامتثال بدون تأخير أو تسويف.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٦٠٥.
(٢) سورة الفرقان الآية ٧٠.