أى : من كان دائم
الكذب على دين الله ، شديد الجحود لآيات الله وبراهينه الدالة على وحدانيته ، وعلى
أنه لا رب لهذا الكون سواه.
ثم أبطل ـ سبحانه
ـ كل تصور للشرك والشركاء ، بأن نزه ـ تعالى ـ ذاته عن اتخاذ الولد فقال : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ
الْقَهَّارُ).
أى : لو أراد الله
ـ تعالى ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ أن يتخذ ولدا ، لاختار من خلقه ما يريده هو ،
لا ما يريده الضالون ، لكنه ـ سبحانه ـ لم يختر أحدا ليكون ولدا له ، فدل ذلك على
بطلان زعم الزاعمين بأن الملائكة بنات الله ، أو بأن عزيرا ابن الله ، أو بأن
المسيح ابن الله.
(سُبْحانَهُ هُوَ
اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) أى : تنزه ـ عزوجل ـ عن كل شيء من ذلك ، فإنه هو الله الواحد في ذاته وفي
صفاته ، القهار لكل مخلوقاته.
قال الإمام ابن
كثير : بيّن ـ تعالى ـ في هذه الآية أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في
الملائكة ، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزيز وعيسى فقال : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أى. لكان الأمر على خلاف ما يزعمون.
وهذا شرط لا يلزم
وقوعه ولا جوازه ، بل هو محال ، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه ، كما قال : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً
لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) وكما قال : (قُلْ إِنْ كانَ
لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).
كل هذا من باب
الشرط ، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم .
وقال بعض العلماء
ما ملخصه : إرادة اتخاذ الولد هنا ممتنعة ، لأن الإرادة لا تتعلق إلا بالممكنات ،
واتخاذ الولد محال ، كما ثبت بالبرهان القطعي فتستحيل إرادته. وجعلها في الآية
شرطا وتعليق الجواب عليها ، لا يقتضى إمكانها فضلا عن وقوعها ، وقد عرف في فصيح
الكلام : تعليق المحال على المحال جوازا ووقوعا.
على أن الوالدية
تقتضي التجانس بين الوالد والولد. إذ هو قطعة منه. وقد ثبت أن كل ما عداه ـ سبحانه
ـ مخلوق له. فيلزم بموجب التجانس أن يكون المخلوق من جنس الخالق ، وهو يستلزم حدوث
الخالق ، أو قدم المخلوق ، وكلاهما محال .
__________________