لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥))
قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : فاذكر نعم الله في اصطناعه في حسن تصويركم وإلباسكم جمال فعله حتى تكونوا في أحسن خلق وأظرف نعت وظهره لكم بأوضح الآيات وأنوار علاماته الدالة إلى وجوده لعلكم تفوزون من بعده ، وتظفرون بقربه وأفهم أن رؤية النعمة يوجب الشكر ، ورؤية الآلاء توجب الذكر ، ورؤية المذكور والمنعم توجب المحبة.
قال الواسطي : العامة تحبه على النعماء ذلك في قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١١] ، والخاصة تحبه على الآلاء ، وذلك في قوله : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والأكابر تحبه على الإيثار والربوبية ، ولكل علامة فعلامة الأولى دوام الذكر له والفرج به ، والثانية الاستئناس به لرؤية ما أبعده منه ، والثالثة الاشتغال به أن كل قاطع يقطع عنه.
وقال ابن عطاء : إذا ذكرت آلائه ونعمائه أحببته ، وإذا أحببته قصدته ، وإذا قصدته وجدته ، وإذا وجدته انقطعت إليه ، ونقول عند المشايخ لو أن القوم من أهل خالصة محبته ما أحالهم إلى رؤية الآلاء بل خاطبهم برؤية الذات والصفات.
ألا ترى كيف خصّ خواص المحبين بخطاب رؤيته وإصرافه إلى مشاهدته بقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) [الفرقان : ٤٥] لأن محبة الآلائية والنعمائية محبة معلولة كونية ، إذ كونها بسبب حدثي وخالص المحبة ما تصدر من مشاهدة جلاله وجماله ، وكيف يصل إليه من كان سبب حاله ومعرفته ومحبته رؤية الآلاء والنعماء أوقعهم في بداية الذكر.
قال : فأذكر وأجعل لقاءهم منتهى وهو درجة النجاة من العذاب ، ولو كانوا محققين ما خاطبهم بذكر غيره وصفه أفعاله.
وقوله : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) (١) أي : أنا بعد أن خرجت من حظوظ نفسي وخصني الله برسالة ، وطهرني من شوائب الطبيعة ، وعرفني طريق محبته وخدمته ، وأعرفكم تلك الطريق المباركة شفقة ونصيحة وأنا أمين فيها ؛ حيث لا سبيل للشيطان في نصيحتي بالتهمة
__________________
(١) قال سهل : ومن لم ينصح الله في نفسه ولم ينصحه في خلقه هلك ، ونصيحة الخلق أشد من النفس ، وأدنى نصيحة النفس الشكر ، وهو ألا يعصى الله تعالى بنعمه. وقال أيضا : النصيحة ألا تدخل في شيء لا تملك صلاحه. تفسير التستري (١ / ١٦٢).