التي هي أعياد العارفين والموحدين بقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (١) الخطاب يحتلم الغضب على الأعداء والتفضل على الأولياء من اجترئ أن ينكر على أحبائي الذين هم ملوك حظائر قدسي وعرائس مجالس أنسي باكتسائهم بزينة العاشقين ، ويتناولهم من طعام المستأنسين ، وأعلم أنها خارجة عن كسب الخلق حيث أضاف إخراجها إلى نفسه ، بقوله : (زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) أي : هي زينة أخرجها لقاصديه وعاشقيه ، أخرجها من تكلف الخلق حين أخص نفسه بإخراجها لهم ، وهي التي ما جرت عليها حيل الخلائق بقدسه عن غبار العلائق حلالا على أهل الحق ، حيث لا يدخل فيها خيانة الخائنين ، ولا كسب البطالين مباحا لأهل الأنس بحيث جاءت من عنده بلا علّة ولا كلفة ، يأكلونها بالتوكل ويلبسونها بالرضا والمحبة على عادية على الأعداء باقية على الأولياء بقوله : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ). وأيضا : في الحقيقة نور جماله وجلاله الذي ظهر من بشرة العارفين والطيبات من الرزق ، هي موائد الأنس على خوان القدس ، وإثمار التجلي من أشجار التدلي.
قال بعضهم : الزينة التي أخرج الله لعباده هي المباحات في البوادي ، والكسب الحلال في الحضر ، والطيبات من الرزق هي الغنائم.
وقال أبو عمرو الدمشقي : من حرّم التزين بما يبدو على الأولياء من المعونات والكرامات التي أخرجها لعباده المخلصين والطيبات من الرزق كسر الفقراء الذين يأخذونها عن ضرورة وفاقة.
وقال الأستاذ : الطيبات من الرزق أرزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه ، وأرزاق القلوب بموجب إقباله تعالى.
ويقال : أرزاق المعبدين إلهام ذكر الله ، وأرزاق العارفين الإكرام بنسيان ما سوي الله.
ولما ذكر تفضله تعالى على الموقنين العارفين بأن رزقهم من مدخور ما عنده في خزائن جوده من الزينة والطيبات التي قويت بها أبدان الصديقين ، وحرمت عن لذتها أجساد المفلسين الذين يتركونها رياء وسمعة وتزهدا وتقشفا وسالوسا وناموسا ، ويقولون إنها محرمة على أولياء الله جهلا بالشريعة وإنكارا على أهل الحقيقة ، بيّن أن ما حرم الله ليس هي إنما حرّم سمعة الظاهر ورياء الباطن وأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بجواب الراجعين عن طريق الحق بقوله : (قُلْ إِنَّما
__________________
(١) عطف على زينة الله أي من حرم أيضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والألبان ، تفسير حقي (٤ / ١٣٦).