وقال الأستاذ : يوزن أعمالهم بميزان الإخلاص وأحوالهم بميزان الصدق ، فمن كانت أعماله بالرياء مصحوبة لم يقبل أعماله ، ومن كانت أحواله بالإعجاب مشوبة لم يرفع أحواله ، وافهم يا صاحبي أن حكمة وزن الأعمال يوم القيامة للعباد أن الله يبيّن لهم ما كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل الخلق مما يجري عليهم من القضاء والقدر ، والرضا والسخط ، والشقاوة والسعادة ، مقابلة بما جرى عليهم في الدنيا الذي في أوراق الحساب التي في أيدي الملائكة ليزيدهم برهانا وعيانا وعلما بعلمه المحيط على كل شيء ، وليكون حجة عليهم ، خرّج أعمالهم على وفق ما كان مكتوبا عليهم ، وافهم يا صاحبي أن الأعمال أعراض كيف تكون موزونة ليس هذا في علم الخلق أن ميزانه الحقيقي رده وقبوله ، وهو قادر أن يخرج الأعراض بصور الجواهر فيزن بميزانه الذي يظهره لهم يوم القيامة ، وذلك على لسان الشرع يوجب الإيمان به.
قال ابن عباس : توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان ، فأما المؤمن يؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان وهو الحق فيثقل حسناته على سيئاته ، فيوضع عمله في الجنة ، فيعرفها بعمله.
فذلك قوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : ٨] ، وهم أعرف بمنازلهم في الجنة إذا انصرفوا إليها من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم ، وأما الكفار فيؤتى بأعمالهم في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان وهي الباطل ؛ فيخف وزنه حتى تضع في النار ، ثم يقال للكافر : الحق بعملك.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) منّ الله على عباده بتمكينهم في الأرض بنعت لتسهيل عبادته ، حيث يسرّ لهم عبوديته بقدرة خلقها فيهم بعد أن كلفهم ذلك ، وجعل فيها لأبدانهم معايش الغذاء ،